الخدمات الاعلامية

كبائر الذنوب / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

مجلة الشراع 21 تشرين أول 2021

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى:{إن تجتنبوا كبآئرَ ما تُنهون عنه نُكفِّر عنكم سيئاتكم ونُدْخِلْكُم مُدْخَلًا كريما} سورة النساء.
لقد جعل الله الذنوب على قسمين صغائر وكبائر وجعَل بعضَها أشدّ من بعض فليست كل الصَّغائر سواء وليست كل الكبائر سواء فبعض الذنوب أشدُّ من بعض، وبعضُ الكبائر أكبر من بعض، ولا شك أن خطر الكبائر يفُوق خطر الصَّغائر فوزر الكبائر أعظم وعقابها أكبر، وقد عُرِّفت المعصية الكبيرة بألفاظٍ متعددة ومن أحسن ما قيل في ذلك “كل ذنبٍ أُطلق عليه بنص كتابٍ (القرآن الكريم) أو سُنَّةٍ (الحديث الصحيح) أو إجماع (إتفاق المجتهدين أمثال الأئمة الأربعة ومن في رُتبتهم) أنه كبيرة أو جاء الخبر فيه بشدة العقاب أو عُلِّق عليه الحدُّ (أي يُحدُّ مرتكبه بعقوبة قرَّرها الشرع كمن يقتل النَّفس بغير حق) وشُدِّد النكير عليه أو جاء أن فاعله ملعونٌ أو شُبِّه فاعله بالكافر فهو من الذنوب الكبائر”.

وقد استُفيد هذا المعنى مما ورد عن أهل العلم ففي “لباب التأويل” للخازن عن سيدنا عليٍ بن أبي طالب أنه قال: “كل ذنبٍ ختَمه اللهُ بنار أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذاب فهو كبيرة”. وقوله “ختمه” أي توعَّد مرتكبه بأن عاقبته ما ذُكر. ورُوي مثلُ هذا أيضًا عن ابن عبَّاسٍ كما في “جامع البيان” للطبري وغيره. وإذا عُلم هذا فإن العاقل يربأ بنفسه أن يقع في الكبائر بل وحتى في الصَّغائر، وكل ما عدا الكبائر من الذنوب فهي صغائر.

بعض الكبائر وأهمية اجتنابها

ولكن من رحمة الله بالمؤمنين أن جعل في اجتناب الكبائر مغفرةً للصَّغائر كما دلَّت على ذلك الآية أعلاه، فتكفير السيئات الذي وعد الله به مَنْ اجتنب كبائر ما نهى عنه متعلقٌ بالصَّغائر. قال الطبري في “تفسيره”: “فوعد جلَّ ثناؤهُ باجتناب الكبائر العفو عمَّا دونها من السيئات وهو اللمم”. قال تعالى: {الذين يجتنبون كبآئرَ الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربَّك واسع المغفرة} سورة النجم. قال ابن الجوزي في “زاد المسير” عن معنى اللمم: “صغار الذنوب قاله ابن مسعود وأبو هريرة والشعبي ومسروق”.

ويُناسب هنا أن نُنَبِّه على مسألةٍ مهمة وهي متعلقةٌ بالتوبة فإنها واجبةٌ من كل الذنوب فإنه وإن كان جاء في الشرع أن الله يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر فليس معنى ذلك أن يقترف الشخص الصَّغائر ويتَّكل على اجتناب الكبائر ليُغفر له فإن ترك التوبة حرامٌ لأن التوبة من الصَّغائر والكبائر فرضٌ على الفور، فمن ترك التوبة من الذنوب الصَّغائر أو الكبائر فقد ترك واجبًا من الواجبات وفي ترك الواجب إثمٌ، ولا ينبغي أن يعتمد المؤمن في محو ذنبه على حسناتٍ يعملها بعد فعل الذنب محتجًا بقوله تعالى:{إن الحسنات يُذهبن السيئات} سورة هود، ولا بقوله صلى الله عليه وسلم: “وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها” رواه الترمذي عن معاذ وأبي ذر، بل تتعين التوبةُ لأن الشخص إذا فعل حسنةً فإنه لا يدري هل قُبلت منه أم لا، ثم إن الإصرار على الصَّغائر بحيث تكثر فتغلب على حسناته أي يصير عددُ معاصيه أكبرَ من عدد طاعاته بالنسبة لما مضى من عمره معدودٌ من الكبائر، وإذا ما كان الواحد منَّا لا يدري ما الذي قُبل وما الذي لم يُقبل من عمله الصَّالح وكم قدَّم من طاعاتٍ لله فليجتنب الصَّغائر فإن المداومة عليها على النحو المذكور كبيرة.

ثم إن الكلام في تعداد الكبائر وشرحها يطول جدًا ولا يكفي مقالٌ واحدٌ لاستيعاب ذلك فمن الكبائر على سبيل المثال لا الحصر: الشرك بالله وهو كفر وهو أكبر الكبائر بل هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله لمن مات عليه، ومن الكبائر قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق والزنى واللواط والسحر والقذف (وألفاظه كثيرة حاصلها كل كلمة تنسُب إنسانًا أو أحد قرابته إلى الزنى) وأكل مال اليتيم (من مات أبوه وهو دون البلوغ فإن بلغ خرج من اليُتم) وأكل الميتة وشهادة الزُّور والفتوى بغير علم وترك الصلوات المكتوبات وترك صوم رمضان بغير عذر. ولم يثبت حصر الكبائر بعدد معين ولكن روى عبد الرَّزاق في “تفسيره” وغيره أنه قيل لابن عبَّاسٍ: كم الكبائر أهي سبعٌ؟ قال: هي إلى السبعينَ أقرب” وتعريفها كما بينَّاه.

حكم مرتكب الكبيرة

وحيث علمتَ أن الكبائر على هذا القدر من الخُطورة فالحذر الحذر فإنها تورث الذُّل في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولكننا مع ذلك لا نقول بكفر مرتكب الكبائر كما دلَّت على ذلك نصوص القرآن والحديث وما أكثرها فمن ذلك قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشآء} سورة النساء. والمعنى أن الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله لمن مات عليه بالمرة هو الكفر وأما ما دون ذلك من الذنوب فيجوز أن يغفر الله لمرتكبها ولو مات من غير توبة، وقوله تعالى أيضًا: {وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله} سورة الحُجرات، فقد سمَّاهما الله مؤمنين. وقال “اقتتلوا” ورجع الضمير إلى الطائفة الباغية من الطائفتين المشهود لهما بالإيمان في قوله “فإن بغت إحداهما” أي ظلمت فلم يحكم عليها بالكفر باقتراف القتل ظلمًا وهو أكبر الذنوب بعد الكفر. ويشهد لصحة هذا المعنى أيضًا ما رواه ابن حِبَّان وصحَّحه من طريق أبي ذرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يغفِرُ لعبده ما لم يَقعِ الحِجَاب. قالوا: يا رسول الله وما وقُوع الحِجاب؟ قال: أن تموت النَّفس وهي مُشركة”. وعلى هذا انعقد إجماعُ أهل الحق، قال الإمام الطحاوي السلفي في “عقيدته”: “ولا نُكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلَّه”. وقال في موضعٍ آخر منها “ونرى الصلاة خلف كل بَرٍّ وفاجر” أي تصحُّ الصلاة خلف المؤمن الفاسق، ولو كان يُكفَّر بالكبيرة لما صحَّت الصلاة خلفه، وفي كل هذا ردٌّ على الخوارج القائلين بكفر مرتكب الكبيرة وهو غلطٌ فاحشٌ فليُحذر.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi