أعداء المغرب .. الرسالة من غينيا كوناكري / بقلم: عبد الهادي مزراري/ الشراع

مجلة الشراع 8 أيلول 2021
بداية لا يمكن القول إن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس ألفا كوندي مبادرة داخلية من الجيش من أجل إصلاح أحوال الشعب الفقير.. إنما هو انقلاب مدبر من جهة خارجية إن لم تكن عدة جهات تفرق بينها دم الرئيس الثمانيني من عمره.
أصابع الاتهام تشير إلى فرنسا والجزائر وروسيا وربما هناك أطراف أخرى، لكن وقت كشف الفاعل الرئيسي لم يحن بعد بسبب تضارب مصالح جهات خارجية كثيرة في هذا البلد الإفريقي الفقير شعبه، والغنية أرضه.
ما يهمنا هو علاقة المغرب بما يحدث في غينيا كوناكري، وهي بلد صديق استثمر فيه المغرب الكثير من الجهد الديبلوماسي والاقتصادي، وهي من البلدان التي فتحت قنصلياتها في مدن الصحراء المغربية، وتعتبر إحدى محطات مشروع أنبوب الغاز النجيري المغربي.
إلى هنا، يعتبر ضرب استقرار غينيا كوناكري ناقوس خطر ينذر بتهديد الأمن والاستقرار في جزء كبير من دول القارة السمراء، التي أصبحت تؤمن بنجاعة السياسة المغربية في تحقيق التنمية والازدهار  الإفريقيين، من منطلق قاعدة “رارح رابح”، التي نادى بها المغرب.
هذه القاعدة لا تروق لدول استعمارية  أجنبية كثيرة تريد أن تبقي القارة الافريقية تحت سبطرتها لتستنزف ثرواتها، ولا تقبل بأن يصبح للدول الإفريقية شركاء من دول وقارات أخرى.
نبدأ من فرنسا، فهي حريصة على عدم التفريط في الكعكة الإفريقية، وتعتبر عددا من الدول التي كانت خاضعة لاحتلالها في الماضي حديقة خلفية لباريس، ومنها تستمد قوتها الاقتصادية وهيمنتها السياسية.
ولفرنسا سببين اساسيين للتدخل في غينيا كوناكري وإسقاط رئيسها واستبداله بآخر.
السبب الأول، هو أن الرئيس ألفا كوندي بدأ يخرج من بيت الطاعة الفرنسي، واتخذ خطوات شجاعة في بناء علاقات اقتصادية لبلاده مع الصين وتركيا واستثنى فرنسا من مشاريع جديدة، كما اعطى الضوء الأخضر لإدخال اللغة الانجليزية في التعليم والمعاملات.
السبب الثاني، هو أن المغرب الذي كانت تعتبره فرنسا تابعا لها صارت له قدرة على التحليق خارج فضاءها، بل هو آخد في تطوير قدرة التحليق بعيدا بدول إفريقيا أخرى نحو الاستغناء عن فرنسا والتخلص من هيمنتها.
طبعا، يفعل المغرب ذلك بهدوء، ولا يثير حساسية فرنسا ويحافظ على دفئ العلاقات الديبلوماسية مع باريس بما يتوافق مع مصالحها، لكنه في منظور الدولة الفرنسية العميقة يظل خطرا ماثلا يجب وضع حد له.
بالنسبة للمغرب يدرك مدى الحساسية التي يتسبب فيها لفرنسا من خلال دوره الجديد في إفريقيا، ولهذا يفضل ان يبقي باب التنسبق مفتوحا نسبيا. ومن هنا يأتي تريثه في الرد والتعليق واتخاذ القرار.
لا يستبعد ان تكون فرنسا ضربت عصفورين بحجرة واحدة، أعادة الأمور في غينيا كوناكري تحت سيطرتها، من جهة، وتوجيه رسالة تحذير إلى المغرب من جهة ثانية.
لا يستبعد أيضا، أن تكون فرنسا تحركت في غينيا كوناكري برفقة جهة ثانية، وهذه الجهة قد تكون النظام الجزائري، الذي وضع كافة مفاتيح الجزائر في كفة باريس من أجل حماية مصالحه ومصالحها. فالجيش الجزائري يعوض الجيش الفرنسي في مالي، واستخدام الجزائر لأغراض فرنسبة في المنطقة وارد بشكل قوي، ويحدث من تحت الطاولة.
هناك أيضا مسألة مهمة وتتعلق بالدور الذي يريد النظام الجزائري أن يقوم به في المنطقة للحد من نفوذ المغرب، فإذا كان المغرب نجح في طريق البناء والتعاون والتنمية في إفريقيا، فإن النظام الجزائري لا يستطيع مسابقة المغرب في هذا المسار، ولهذا يرسم طريقا لنجاحه الديبلوماسي من خلال التخريب والهدم.
يتأكد الدور التخريبي للنظام الجزائري في محاولاته المتكررة لنسف مشروع أنبوب الغاز نجيربا المغرب، وبالتالي يعتبر ضرب استقرار غينيا كوناكري إحدى الدول التي يفترض أن يمر منها الانبوب ضربا للمشروع برمته.
أضف إلى ذلك أن الجزائر التي ظلت تقدم وعودا إلى نيجيريا متذ أكثر من عقد بإنجاز انبوب الغاز عبر أراضيها نحو أوروبا، تفعل ذلك للتماطل وإفشال المشروع، وتعمل لحساب روسيا، التي ليست لها مصلحة في إنجاز مشروع أنبوب الغاز النيجيري الأوروبي، لأن مشروعها لتزويد أوروبا بالغاز الروسي سيصبح عديم الجدوى.
كما أن تشييد أنبوب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا سيعرض الغاز الجزائري نفيه إلى مزيد من التهميش في السوق الأوروبية، ولهذا لا يستبعد ان تنشط الديبلوماسية الجزائرية في إثارة مزيد من الفوضى في المنطقة.
من المؤكد أن المنطقة الإفريقية لسيت بحالة جيدة، وللأسف الشديد توجد قوى الخير تريد أن تعمل من أجل مصلحة الجميع، وفي مواجهتها هناك قوى الشر، التي لا تتورع عن إثارة الفتن، وزرع الأحقاد وإشعال نار الحروب.

 

مجلة الشراع