“ساعير” الصهيونية 2006 و ” نيميتز ” 2020 الأمريكية وما بينهما / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 5 كانون الثاني 2021

كان جنوبي البحر الأبيض المتوسط تحت سلطة بحرية الكيان الصهيوني..

وكانت الزوارق الحربية ” الإسرائيلية ” تجوب البحر دونما رادع أو تحسّب لأي مواجهة من أي طرف في الدول المطلة على ذلك البحر…

 كان ذلك الأمر حتى بدأت الحرب عام 2006 على لبنان!

وكانت القطع البحرية تشارك بفعالية في قصف مختلف المناطق اللبنانية بمدافعها إلى جانب الطائرات الحربية وهي مطمئنة من عدم وجود أي تهديد لها وأي إمكانية لصد هجماتها ووقف مدافعها، لكن في ليلة ظلماء انطلق صاروخان من منطقة في الضاحية الجنوبية لبيروت وتوجها نحو المدمرة الصهيونية ” ساعير ” الموجودة في عرض البحر، والتي تملك أحدث أجهزة التشويش والرصد وأصابتاها إصابة مباشرة، وكان توقيت الإطلاق ليلاً أمراً مقصوداً لكي يرى جميع اللبنانيين بأم أعينهم وبوضوح النار المشتعلة عليها، ويشاهدوا مباشرة تدمير إحدى أحدث آليات الكيان الصهيوني الذي ارعب أقوى جيوش الدول العربية، وكانت الصدمة الكبرى لدى قادة الصهاينة لأنه لم يكن في حسبانهم أن طرفاً في المنطقة يملك صواريخ تطال مدمراتها بهذه الدقة، وإن كانت بحوزته فلا يجرؤ على إطلاقها لأنه يخاف ردود الفعل المنددة من قبل الولايات المتحدة وغيرها من حماة ” إسرائيل “، أما الصهاينة فإنهم دائماً يقصفون ويدمرون ويقتلون من دون اكتراث بردود فعل أحد في هذا العالم، لكن قواعد اللعبة تغيرت بشكل أساسي منذ نشوب الحرب عام 2006 حيث صارت القطع الحربية الصهيونية مهددة، والمقاومة الإسلامية المدعومة من الجمهورية الإسلامية في إيران تمسك بزمام المبادرة، والتفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهى إلى غير رجعة.

ومن الطبيعي أن تدرس الولايات المتحدة الأمريكية هذا الواقع بعناية ويقف القادة العسكريون في البنتاغون ملياً أمام هذا التحول الكبير، ويأخذوا منه العبرة اللازمة لأنفسهم، ويقرؤوا بكل عناية آثار هذا التحول على دول كانت تعتقد باستحالة تحدي الغطرسة الصهيونية بسبب قدرتها العسكرية المتطورة والمساندة الأمريكية الكاملة والشاملة لها، ووقوف دول الغرب وحتى روسيا ومن قبلها الإتحاد السوفياتي إلى جانبها في الملمات…

لكن المفاجأة كانت بدخول الصواريخ الذكية الإيرانية المتطورة ساحة المعركة ونجاح تجربتها في إصابة أهدافها بدقة، وهذا يدل على قدرة إيران في مجال الصناعات العسكرية واستعمال تلك الإمكانات التي تتطور كل يوم حال تعرض الأعداء لها أو المس بثوابتها، والتعامل مع أي تصعيد أمريكي وصهيوني وغيرهما في أية دولة بعيدة كانت أم قريبة من موقع القوة، وهي أيضاً أثبتت قدرتها الفائقة في مجال الإستخبارات واعتقال المدانيين في محاكمها ولو كانوا في بروج مشيّدة وفي حمى أقوى رجال المخابرات عند الفرنسيين والأمريكيين والكنديين والبريطانيين وغيرهم.

إن الإستراتيجيين في وزارة الدفاع الأمريكية الذين يخافون أن تصاب قطعهم البحرية وأساطيلهم ما أصابت المدمرة الصهيونية “ساعير” ويذهب ماء وجه الولايات المتحدة إلى الأبد كما بان الهوان والإنكسار عند القادة الصهاينة قبل ذلك، فإنهم سارعوا إلى إخراج حاملة الطائرات ” نيميتز    USS Nimitz  ” من منطقة الخليج بمجرد أن رأوا الزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني تتحرك في المناطق القريبة منها، وهؤلاء الحريصون على هيبة جيش بلادهم أمام العالم لا يرضون بأي حال تورط جيش بلادهم في حرب لا أحد يعرف مجرياتها ونتائجها إذا شبّت نارها، وهم لا يعبأون بعنتريات دونالد ترامب الراحل عن البيت الأبيض بعد أيام قليلة، ولا ينساقون وراء نزوة في نفس رئيس فاشل يذهب إلى بيته مدحوراً بعد حين، وحتى العاملين مع ترامب فإن أحداً منهم لا يريد أن يحرق مستقبله السياسي والإجتماعي، ويقضي على آماله في الأيام والسنوات القادمة من خلال تنفيذ تعليمات رجل مجنون بكل معنى الكلمة، وفاقد للتوازن العقلي بشهادة اخصائيين أمريكيين، والذي رآه جميع العالمين في أدائه خلال السنوات الأربع لعهده، والذي جعل حُماته في الحزب الجمهوري والمتحمسين له حتى الأمس يتراجعون عن مساندته ويتخلون عن دعم خططه ومشاريعه، وآخر ” الصرعات ” لدونالد ترامب هو دعوته لمناصريه للقدوم إلى العاصمة واشنطن والتظاهر ضد مجلس الشيوخ الذي سيصادق في نهاية الأمر على النتائج المعلنة للمجاميع الإنتخابية التي جزمت بفوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن ما بدا قبل هذا أن عدد المتأثرين بعنتريات ترامب في الولايات المتحدة والمتجاوبين مع شعاراته الفارغة والمصدّقين لأكاذيبه التي لا تُحصى ليس قليلاً، وهذا ما يثير الإستغراب الشديد كون صورة الشعب الأمريكي التي كان الإعلام قد كرّسها في عقولنا أنه أمة حضارية بسبب تنوع النخب في البلاد، وحضور مختلف الشعوب والأقوام على تلك الأرض، ولأن أمام عموم الناس هناك كل إمكانيات المعرفة، والبلاد متفوقة في التقنيات التي تسهّل الإطلاع على حقائق الأمور، ومتابعة تطورات الأحداث، واكتشاف مكنونات المسؤولين في بلاده وفي مختلف بلاد العالم، لكن مشاهد الحملة الإنتخابية الرئاسية بين دونالد ترامب وجو بايدن وما نراه حتى يومنا هذا من تصرفات ترامب واستمرار مناصرته من قبل جموع من المواطنين أبانت أن تلك الصورة الجميلة كانت كاذبة وأن كثيرين من الأمريكيين هم بالضبط مثل ما هو موجود في بلادنا..

ويقول الله سبحانه في كتابه العزيز: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي