خاص-“الشراع”/ الحكومة بانتظار تعويم “ستاتيكو” المساكنة بترامب او ببايدن

خاص-“الشراع”/ الحكومة بانتظار تعويم “ستاتيكو” المساكنة بترامب او ببايدن

مجلة الشراع 2 تشرين الثاني2020

 

يقول مرجع كبير ان احداً لا يتوهم بان  الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري “رح تشيل الزير من البير” كما يقول المثل اللبناني العامي، الا ان الحكومة سيكون بامكانها على الاقل ادارة الازمة وتقطيع الوقت باقل الخسائر الممكنة ، بانتظار حلول لحظة التسويات في المنطقة .

ولعل هذا الامر كان السبب الرئيسي من قبل بعض  الاطراف السياسية في لبنان وراء استعجال التكليف والتشكيل ونيل الثقة، خلافاً لما كان يحصل في سنوات سابقة عندما كان يستغرق تشكيل اي حكومة بضعة اشهر واخرها حكومة ما بعد الانتخابات النيابية الاخيرة برئاسة الحريري نفسه ، بسبب الشروط والشروط المضادة. علماً ان ثمة محاولات اليوم لتكرار  الامر نفسه من دون ادراك حجم الكارثة الحاصلة. وعلى رأس اصحاب هذه المحاولات النائب جبران باسيل الذي يبدو ان السنوات الاربع الماضية من عمر عهد الرئيس ميشال عون وما تخللها من اخفاقات في ادائه وسلوكه وادارته للملفات التي تولاها لم تكن كافية بالنسبة له للانتقال الى مرحلة جديدة لتصحيح اخطائه وانقاذ ما تبقى من ولاية العهد الحالي الذي يعتبر الاسوأ في تاريخ لبنان ومنذ اتفاق الطائف وحتى اليوم على الاقل.

والوقت لم يفت بعد لاستدراك الامر ، بعد العراقيل المستجدة على مسار تشكيل الحكومة. وثمة سعي من قبل اطراف وازنة من اجل تجاوز العقد المستجدة والتي أدت الى تأخير ولادة الحكومة ، وهي اطراف سبق لها ان عملت على حماية الاستقرار وتعمل اليوم من اجل ضمان عدم اهتزازه من خلال تشكيل حكومة حجر الاساس فيها هو فرملة الانهيار ووقف الانحدار نحو الفوضى . حكومة ينبغي على الجميع فيها تقديم تنازلات لان الوقت ليس وقت تحقيق مكاسب او خوض معارك رئاسية بل وقت تأمين ابسط متطلبات المواطن ولجم التدهور المعيشي و الاقتصادي واعادة بناء شبكة امان داخلي تحفظ السلم الاهلي وما تبقى من مؤسسات الدولة.

هذه الاطراف الوازنة وفي مقدمتها حزب الله ، لا تعمل – وفق معلومات “الشراع”- ضد جبران باسيل او غيره ، لكنها لا تقبل ان تكون على قياس شروطه او احلامه او ما يشترط حصوله عليه في الحكومة الجديدة، وهي بقدر حرصها على انتهاجه المنطق والواقعية في طرحه تحرص ايضاً على ان لا يكون مكسر عصا او هدفاً لعمليات تصفيات حساب بات من الواضح ان الاطراف المسيحية غارقة فيها ومستمرة باعتمادها كخلفية لها في اطار السباق القائم نحو انتخابات الرئاسة المقررة بعد اقل من عامين.

والامر نفسه ينطبق على الحريري ، الذي لا تريد هذه الاطراف الوازنة حشره او محاصرته بقيود وعوائق وأثقال تمنعه من التحرك ،لا بل على العكس تريده قوياً وقادراً على العمل من اجل وضع قطار الانقاذ على السكة ، والسعي كما اعلن هو نفسه من اجل انفاذ المبادرة الفرنسية وورقتها الاصلاحية ، لكن  ليس على قاعدة ان يكون قوياً ضد فريق سياسي من هنا او هناك كما يريد رئيس حزب القوات سمير جعجع ، او حتى زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.

وعلى قاعدة الاختيار بين خيارات احلاها مر ، تعمل هذه الاطراف على الحد من الخسائر والتقليل من الاضرار ، كون حل الازمة في لبنان لا يمكن ان يتم بمعزل عما يحصل في المنطقة ويدور فيها، وبعيداً عما يحضر لها من نظام جديد يؤمل ان يكون فيه للبنان ما يطمح اليه كل اللبنانيين من دور وموقع ووظيفة، من خلال تميزه بالتنوع والتعدد والكفاءات حفاظاً على كونه “رسالة” كما عبر البابا يوحنا بولس الثاني.

ولهذا السبب ، فان الاولوية الان هي للحفاظ على ما سمي طوال السنوات السابقة “ستاتيكو” الاستقرار الذي يضمن تمرير الوقت الصعب الذي تشهده المنطقة وهذا الامر ممكن اليوم مع تأمين ولادة حكومة برئاسة الحريري تتولى لستة اشهر على الاقل ادارة البلاد في اطار توافق داخلي ولو بالحد الادنى على مواجهة الظروف الصعبة وتوفير ما يضمن عدم الذهاب الى الاكثر سوءاُ والتحضير لانتقال البلاد الى المرحلة الجديدة .

ومنذ بدء الازمة المدمرة في سورية قبل نحو عشر سنوات بعد ما سمي”ثورة الربيع العربي”، كانت القاعدة المتبعة في لبنان وما زالت هي العمل على ضمان عدم امتداد هذه الازمة الى لبنان بكل ما يمكن ان يتخللها من احتدام مذهبي وتصاعد لقوة المجموعات الارعابية والتكفيرية. وقد تم اعتماد ما صار يعرف ب”ستاتيكو” الاستقرار بالحد الادنى سواء من خلال اتباع سياسات من نوع النأي بالنفس او من نوع عدم دخول لبنان الرسمي في الصراعات الناشبة بين اطراف اقليمية واخرى دولية.

وقد أمكن للبنان بفعل هذا “الستايكو” تجاوز الكثير من المطبات وضمان عدم تحويله الى ساحة اخرى من ساحات الصراعات المدمرة والمشتعلة في اكثر من بلد ودولة.

كما أمكن من خلال هذا”الستاتيكو” وتحت عناوين مختلفة تحويل لبنان الى مساحة مشتركة بين اطراف اقليمية ودولية على رأسها واشنطن وطهران. مساحة مشتركة يتجنب فيها اي طرف الطرف الاخر، على الرغم من ان الصراع بينهما كان محتدماً في دول مجاورة في مقدمتها سورية والعراق ودول اخرى.

فالى جانب الحضور الايراني في لبنان سواء عبر حليفه الابرز في المنطقة اي حزب الله او عبر اشكال اخرى مباشرة او غير مباشرة ، فان الحضور الاميركي لم يكن محصوراً او مقتصراً على بعض الحلفاء او ما بات يعرف بمجموعات في المجتمع المدني، بل عبر وجود مباشر غير خفي لاجهزة استخبارات اميركية فضلاً عن وجود ما يشبه التجمعات العسكرية التي يرتقي بعضها الى حجم القاعدة العسكرية. وكان الامر اللافت وما يزال هو ان حادثاً او اشكالاً صدامياً لم يحصل بين الطرفين تعبيراً عن غياب الاستهداف من قبل كل طرف ازاء الاخر ، على الرغم من احتدام الصراع بينهما  منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة واقدامه على الغاء الاتفاق النووي مع ايران ، وصولاً الى اقدامه بشكل صريح ومعلن على اغتيال الجنرال قاسم سليماني.

وهذا الامر اي عدم استهداف اي طرف للاخر مباشرة في لبنان  لم يسقط مع اغتيال سليماني على الرغم من الاجواء التي خلفها وما قيل عن رد ايراني على قواعد اميركية في العراق ، كما انه بقي قائماً مع اسقاط الطائرة الاميركية المتطورة المسيرة قبل اكثر من عام ،والذي تم تجاوزه بعد اعلان ايران ان الطائرة اخترقت اجواءها وتراجع ترامب في اخر لحظة عن أمر تنفيذ عملية رد على ما جرى.

ومعنى ذلك ، ان “ستاتيكو” الاستقرار ولو بالحد الادنى في لبنان كان يحظى بغطاء اميركي – ايراني وكذلك بغطاء دولي – اقليمي، وهو ما جعله قادراً على تجاوز كل ما واجهه من مطبات وأزمات حتى الان على الاقل ، وذلك كله بالطبع قبل هبوب رياح الازمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان والتي اخذت بعداً سياسياً واجتماعياً خطيراً كان من نتيجته حراك السابع عشر من شهر تشرين الاول –  اكتوبر الماضي  واخذت ايضاً بعداً امنياً أخطر مع انفجار الرابع من اب – اغسطس الماضي في العنبر رقم 12 في بيروت مع زيادة الشكوك بان ما جرى هو عملية امنية تخريبية لضرب موقع بيروت ومرفأها على شواطئ المتوسط لصالح مرفأ حيفا في الكيان الصهيوني في ظل الترتيبات الجديدة التي بدأتها الولايات المتحدة في المنطقة ككل.

وما يزيد من حجم الشكوك ويضفي عليها الصدقية هو امتناع واشنطن- ومعها باريس ايضاً- عن تزويد لبنان  بصور ملتقطة عبر الاقمار الصناعية حول الانفجار وطبيعته وكل ما كان يحيط بالمكان في لحظة الانفجار، ما يساعد التحقيق الحاصل حالياً على جلاء الحقيقة وتبيانها بشكل مفصل وواضح .

ومع الاتهامات الموجهة لواشنطن بانها تقف وراء كل ما يجري من أزمات في لبنان وخصوصاً بالنسبة لحجب المساعدات عنه  والتسبب بشح الدولار في الاسواق اللبنانية بحجة الدعوة الى الاصلاح ومعالجة الفساد، وان هدفها من كل ما يجري هو محاصرته وتضييق الخناق عليه لعزله وضربه، فان العمل هذا لا يتم بالمباشر اي من خلال توجيه ضربات عسكرية او امنية لمراكزه او اماكن تواجده ، بل من خلال العمل على تأليب البيئة اللبنانية عامة وبيئته الحاضنة خصوصا ضده ودفعها الى الانقلاب عليه ، ما يعني ان واشنطن التي تريد رأس حزب الله باعتباره حسب التوصيفات الاميركية درة التاج الايراني وأهم أذرع طهران في المنطقة لا تقوم بذلك عبر الوسائل التقليدية بل عبر وسائل مستحدثة وتحاكي نظرياً على الاقل الواقع اللبناني بتنوعاته العديدة وتركيبته الهشة وفساد طبقته السياسية وعجز دولته ومؤسساته العامة ، من اجل تولي المهمة المطلوبة وهي لي ذراع ايران الأقوى من أجل جرها الى حيث تريد في مفاوضات تحدد هي اي الولايات المتحدة توقيتها وأجندتها وما ينبغي على طهران الالتزام به بنتيجتها.

لكن ما بدا واضحاً مؤخراً هو ان تعديلات قد يصح وصفها بانها جوهرية قد طرأت على الموقف الاميركي ،ليس فقط من خلال بدء مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني برعاية اميركية ، بل وايضاً من خلال الموقف من تكليف الرئيس سعد الحريري بعد ان كانت وراء دفعه الى الاستقالة قبل نحو عام من خلال وزير خارجيتها مايك بومبيو.

وما يمكن التوقف عنده في هذا المجال هو ما نسب الى الموفد الاميركي دافيد شينكر الذي اكد ان واشنطن لا تعارض عودة الحريري الى رئاسة الحريري الا انها لا تؤيدها، ما يعني الى انها اعطت ما يمكن اعتباره الضوء الاصفر لعودة زعيم تيار المستقبل الى الرئاسة الثالثة،و تنتظر ما يمكن ان تقوم به الحكومة بعد تشكيلها كما اضاف شينكر نفسه بالنسبة لما تطلبه بلاده التي اكد الموفد الاميركي انها مستمرة في سياسة فرض العقوبات ضد حزب الله مع يمكن ان ينطوي عليه هذا الامر من توجه جديد للفصل بين استهداف حزب الله واستهداف لبنان ككل.

كل ذلك وضع ستاتيكو المساكنة ، وامكانية تعويمه من خلال حكومة “جامعة” بالحد الادنى برئاسة الحريري في دائرة التساؤلات بالنسبة لاعتماده ، بدءا من طرح علامة استفهام حول مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في حال فوز دونالد ترامب مجددا او فوز منافسه جو بايدن، مرورا بطرح علامة استفهام حول ما اذا كانت فترة السبعين يوما التي سيبقى فيها ترامب في البيت الابيض في حال عدم نجاحه فترة تصعيد او تهدئة قبل تسلم بايدن اذا اتيح للاخير حسم السباق الرئاسي لصالحه , ووصولا الى طرح علامة استفهام تتناول المشكلة المزمنة في لبنان والمتمثلة دائما في وجود رهانات على الخارج في اي قضية او مسألة داخلية.

ولذلك يمكن القول بانه بقدر ما يشكل نجاح الحريري بتشكيل حكومة مؤشرا على وجود توجه لاعادة العمل بستاتيكو المساكنة المشار اليه، بقدر ما يشكل الاخفاق اللبنانيين في تشكيل حكومة مؤشرا على ان لا عودة للستاتيكو هذا، سواء كانت الامور سائرة باتجاه الاسوأ او باتجاه تسوية ما ليست مستبعدة في اي وقت .

بكل الاحوال فان “الستاتيكو” المذكور يمكن ان يعيد لبنان  الى مرحلة سابقة ، عندما كان ساحة مساكنة بين الاطراف المتصارعة في المنطقة ، وعندما كان الاستقرار فيه حاجة لكل هذه الاطراف بكل ما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج مالية واقتصادية وسياسية ومعيشية.

لكل هذه الاسباب ،ومع كل ما قيل ويقال حول الصراعات الدائرة، فان ولادة حكومة برئاسة الحريري تشكل اليوم فرصة قد تكون مفصلية ،في تأمين الاطار العام للعودة الى “الستاتيكو” المشار اليه, اذا كانت شروط او ظروف  تعويمه  متاحة خارجياً في  ظل الاجواء الجديدة ،وهو الامر الذي يضمن  في حال توافر المظلة الدولية والاقليمية اللازمة له  تشكيل الحكومة الجديدة سواء تم  خلال ايام او تأخر لبعض الوقت بسبب بعض المطالب من هنا او هناك.