الفساد… وانفجار العباد

الفساد… وانفجار العباد

تم نشرها في جريدة البيان ٨/١/٢٠١٠

كتبت فلك مصطفى الرافعي

قضت القوانين لتنظيم التظاهرات عبر طلب رسمي من أصحابها وغاياتها، أما التظاهرات غير القانونية فلها مصائر عديدة إن كانت سلمية فتميل الأنظمة أحياناً إلى سياسة النعامة بغض النظر، وإذا ما ارتقت نحو الضرر والإضرار فالقمع أصدق إنباءً من الكتب. ولعلّ في تظاهرات السترات الصفراء في باريس التي إتخذت طابعاً عنيفاً وكذلك كما حدث في ثورة (أوكرانيا) أو (تشيلي) التي لم يخرج شعبها من الشارع إلا بصدور قوانين الديكتاتور “بينوتشيه“، وكثيراً ما يكون للمجنـزرات والدروع والعصيّ الغليظة دور الكواسر في الغابة. وفي تصنيف التظاهرات التي ترتقي إلى إنتفاضة ثم إلى ثورة ثم إلى عصيان مدني أو إلى نفقٍ مسدود، وفي بطون الكتب التاريخية مشاهد من التظاهرات التي خرجت من خاصرة العبودية إلى ثورة عارمة والتي قادها المناضل الأممي (سبارتاكوس) الذي رفض أن يتسلل إمبراطور وهو يذبح منافسه في حلبة الصراع فقاد ثورة العبيد الأولى التي أسست فيما بعد لثورات شبيهة استقت مشاعلها من دمٍ مهَّد الطريق. ويبقى المشهد الذي غيّر خارطة العالم وألغى المفاهيم الخاطئة وأحال تماثيل الجزيرة إلى التقاعد في أول تظاهرة إسلامية قادها المبعوث رحمة للعالمين صلّى الله عليه وسلم بعد إسلام قاهر الأسود ومن سادة شهداء أهل الجنة حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) والفاروق العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) والمشهود لهما بالشكيمة والبأس والشجاعة النادرة، واللذين تصدّرا صفّيْن من المؤمنين فيهما العربي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي. هذه الإثنيات المتعددة التي توحدت تحت راية عبادة ربّ السماوات والأرض وليس تلك الأصنام المصنوعة من تمر وخشب وحجر والتي لا تسمع ولا تعي، كان الصفَّان يخرقان أحْيَاء مكة المكرَّمة حيث انزوى أمام هذه المشهدية سادة الجاهلية مذعورون خائفون وسميّت التظاهرة الأولى في الإسلام. مثلما يولّد الإحتقان الإنفجار حكت أوراق طرابلسية عن تظاهرة عفوية من طلاب الفيحاء خرجوا هاتفين ضد الإستعمار، فكانت دماؤهم الحبر السرّي والعلني بتوقيع وثيقة الإستقلال والجلاء لوطنٍ مازالت تمزقه الحروب العبثية.
ومن نافل القول أن يرتقي أحد رؤساء جمهوريات أمريكا إلى مصاف العظماء وهو “إبراهام لنكولن” الذي غضَّ البصر عن تظاهرات عرقية قام بها زنوج أمريكا الذين رسفوا في أغلال الحقد الأبيض. وهكذا فعلت أيادي الثوَّار في جنوب أفريقيا من حكم الأقليات الظالمة تمهيداً لبزوغ شمس العملاق “نلسون مانديلا“، الذي رقد في السجون سحابة ربع قرن وهو يقود أعظم تظاهرة في العالم من وراء الجدران الصمَّاء. والبعض مازال يعتقد أن صمامات الأمان في مصافِي النفط الكبيرة التي تمنعها من الإنفجار، ومازال البعض يؤمن أن مفتاح الأمان في قوارير الغاز التي لا يمكن أن تتفلت من عقالها لتأتي الأخبار تزودنا من حيث لا ندري أن تلك النظريات ساقطة وطالت أعظم مفاعل نووي في العالم حين انفجرت محطة تشيرنوبيل السوفياتية منذ أعوام طويلة وحيث لم تنفع كل الوسائل الأمنية في حفظها، ومازالت المناطق المجاورة لها تعاني حتى اليوم من سلبيات وأمراض وتشوّهات وعاهات.
ليس الربيع العربي عنَّا ببعيد ، فقد إنفجرت تظاهرات وثورات أودت ببعض الحكام، وها هو العراق اليوم يدفع ضريبة تغيير هويته قصراً بجرأةٍ نادرة.
وفي العودة إلى وطننا حيث سُدّت منافذ أسماعنا وأذكمت أنوفنا وطال صبرنا على أخبار وتسريبات عن فساد ومفسدين من سرقة وسارقين لندرك حقاً أننا شعب مسروق وليس على شفير الإفلاس.
من حق المواطن المقهور أن يتظاهر، وأن يبعث بالرسائل بعد ما ملَّ طريقة الحمام الزاجل واعتنق الصراخ من فقرٍ وجوعٍ وحرمان وفقدان أدوية وتلاعب بأسعار العملات الأجنبية وجشع من محتكري مواد غذائية، فعمدوا إلى المطالبة بحقوقهم رغم بعض الأمور التي عرقلت حركتهم إلا أن الشعوب الجائعة تصل في يومٍ ما إلى ما لا نريد أن نصل إليه كالمثل القائل:” إن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله“.
يا حكامنا إنتبهوا إلى يقظة الشعب الطيّب الآمن من أن يتحول إلى هدفٍ غير مقروء.
يا حكامنا انتبهوا لم تزل الفرصة بأيديكم وهذا البلد لم يعد يحتمل لا حروباً صغيرة كانت ولا كبيرة . ولن ننتظر أن تقول الأجيال القادمة أن لبنان سيقوم كما يقوم طائر الفينيق من تحت الرماد.
مازالت الفرصة سانحة لعملٍ قام به السيد المسيح عليه السلام عندما طرد الفريسيون من المعبد.
“لبنان” معبدٌ لكل الطوائف التي توحّدت تحت العلم اللبناني ولن تكون هناك راية أخرى