المركز الثقافي الإسلامي بيروت /بين يَدَىّ رمضان بقلم الدكتورة فلك مصطفى الرافعي

رمضان الصورة السريّة للمؤمن الصادق ، و ايضا لكشف المنافق في سجل مكين عند العالِم حقا لمن ادّى التكليف بأمانة ، و بين من راوغ كثعلب لم ينسَ أن يمسح بقايا اثر ارتكابه النفاق في أحد أهم أركان الإسلام …
فالصيام الذي خبِرناه اولا أنه كُتب على الذين من قبلنا و تشرّفنا ان كُتب علينا ، و الخاصية بهذا الركن العظيم تميّزه بخصائص الانفراد بالطاعة و السرية التامة حيث أنه يمكن للمنافقين من إظهاره علنا و أفطاره سرا ..
و توقفت طويلا أمام صوم السيدة المباركة مريم العذراء ، و هي الوحيدة التي اختصها القرآن الكريم بإعطاء اسمها على سورة كاملة ،كما ذُكر اسمها الطاهر في آيات كثيرة ، حيث أمرها ربٌ العالمين أن تعلن الصوم فلا تكلم إنسيّا ..
فالصوم عن الكلام أمر خاص ، و الصيام عن الطعام أمر عام، فالمؤكد في بقايا جاهلية سكنت قلب راس النفاق عبدالله ابن أُبَي ابن سلول أنه لم يصم ظنا و يقينا دون أخذ بصمات إنكاره الأمر لأن الصيام عبادة خاصة منفردة ….
و نقرأ ما ورد في السُنّة العطرة ” كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و انا أَجزي به ” …
و هناك ملاحظتان ان المولى عز و جل قد اخبرناو بآياته العظيمة عن مكافآت في الجنة و بعض تفاصيلها و مراتبها من عليّين و الفردوس الاعلى و جنة عدن و الأنهار و الثمار و الحور العين و أهمها الخلود فليس في الجنة من يشقى أو يمرض أو يفنى ..
و الملاحظة الثانية أن الله العلي القدير وعد بجائزة للصائمين دون أن يفصح عنها لكبير قيمتها ، اللهمّ إلا من ذكرٍ ورد ان الصائمون يدخلون إلى الجنة من باب الريّان الخاص بالصائمين …
كما من المفيد تسليط المنارة على بقية الأركان الأربعة في اعتناق الإسلام .
اوّلها التشهّد و تستوجب الشهادة أن يدلي أحد ما أو أكثر ان فلانا نطقها ، فالشهادة تُلزم الشاهد أو الشهود …
و الصلاة الركن العالي جامعة انفردا أو جماعة في مسجد و جامع ، و علينا أن نشهد بالإيمان بمن عهدناه يصلي رأي العين ،و يسهل بها النفاق ..
و الزكاة أيضا من الأركان المثالية لأنها الحق المعلوم للسائل و المحروم و تفرض وجود المزكّي و من يستحق مال الزكاة فردا أو مجموعة .
و حج البيت للمستطيع هو مهرجان الجماعة و مشهد عظيم لملايين من آمّي الحج في الموقف العظيم يوم عرفة المبارك ..
لينفرد الصيام كركن واحد من خمسة اركان بخصوصية السريّة والعبادة الخالصة بين الله و عبده ..لذلك لها القول ( و انا أجزي به ) ..
ثم من فلسفة الصيام أنه انتقاء خالص لمن يلتحف الاخلاص و القوة في الأداء و الاستحباب.
و يحضرني في ذلك ( الغربال ) أو الامتحان الكبير الذي أوحى به الله لنبيه و عبده داوود عليه السلام و الملك طالوت في قتاله رأس الكفر في عصره جالوت حيث نقرأ في خشوع و تدبّر أية ٢٤٩من سورة البقرة ” فلما فصل جالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنَهَر فمن شرب منه فليس مني و من لم يَطعَمه فإنه مني إلا من اغترف غَرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم…” إلى آخر الآية التي تُبشّرنا أن داوود قائد الجيش قد قتل جالوت لان من امتنعوا هم الذين قالوا ” ربّنا أفرغ علينا صبرا و ثبّت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين “، لنخلص ان الصابرون و الثابتون هم أعمدة النصر، لأن امتحان الصيام عن شرب الماء من النهر قد فرز الثابت من المتهالك الضعيف ..و هذه حكمة ربانية مدهشة ليعلم الله من يعطي الأمر حقه بالالتزام ، و كذا الصيام للمخلصين و الأقوياء، و صبر و ثبات ليكونوا ضمن ثلة الانقياء الذين فازوا بامتحان الصبر على المكاره …
فبلفتة اتمنى منها الصواب بالمقارنة و المقاربة أن الصائم الملتزم بأركان الصيام ، العابد الزاهد والقارئ للقرآن الكريم و المتعفف اللسان و اليد المحتسب و السعيد في طاعة يكون فيها قريبا من مشهدية ملائكية .. الذين يعبدون الله و لا يأكلون و لا يشربون و لا يتناسلون ، و في ساعات الصيام مقاربة لنورانية ملائكية الذين خُلقوا من نور و البشر من تراب و هم الوسط في الخلق بين النور و ابليس المخلوق من مارج من نار .
اللهمّ تقبّل صيامنا خالصا لوجهك الكريم ، و بشرى لمن ورد اسمه في جداول الجائزة الكبرى.
و كل رمضان و انتم بخير …