أوروبا و “رهاب معاداة السامية”: انحياز موصوف لإسرائيل!

جوزف القصيفي

تعيش الدول الاوروبية، ولا سيما المانيا،متلازمة “معاداة السامية” لدى مقاربتها اي موضوع يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وممارسات تل أبيب كل أشكال العنف والاضطهاد في حق الفلسطينيين في غزه والضفة الغربية والقدس، والتعامل معهم كمواطنين درجة عاشرة ضاربة عرض الحائط بالمواثيق والعهود الدولية وحقوق الانسان. فهذه الدول التي تمول منظمات غير حكومية وتدعمها للدفاع عن حرية الرأي والتعبير والتصدي لكل تصرف مناف لحق اي مواطن العيش بكرامة وأمان بوطنه،تقوم بمنع وسائل الاعلام من الإضاءة على مجازر إسرائيل وانتهاكاتها، والزامها بخطاب موحد، وطمس الحقائق الدامغة، والاقلال من شأن عمليات الابادة التي ترتكبها في غزه

وهذا السلوك ليس جديدا على الدول الاوروبية الواقعة تحت الإرهاب المعنوي ل”لوبي” الصهيوني الذي ضغط منذ سنوات على مؤسسة ” دويتشي فيلله” الاعلامية الألمانية لفصل مدير مكتب المؤسسة في بيروت الصحافي باسل العريضي، ومسؤول مركز التدريب في المكتب الاعلامي داود ابراهيم من عملهما بذريعة مخالفتهما القانون واقدامهما على بث الدعوات لمعاداة السامية، ليتبين في ما بعد أن ذنبهما هو كتابتهما على حسابهما قبل سنوات طويلة من التحاقهما بالمؤسسة تعليقا رافضا للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان. وبعد سنوات قليلة قامت محطة ” فرانس 24″ بفصل المراسلة في مكتب بيروت لأنها دونت على حسابها ،وهي لم تكن قد بلغت بعد سن الرشد، تعليقا ضد إسرائيل. ويبدو أن موقعا عبريا متخصصا بالبحث عن تعليقات وتغريدات لصحافيين يتناولون تل أبيب من قريب أو بعيد ،يسعى لأن يحصي انفاس كل من تسول له نفسه التعاطف مع ابناء فلسطين وإظهار مشاعر الدعم لهم. وبالانتقال إلى المجازر والاعتداءات التي تقودها إسرائيل حاليا ،فإن وكالة ” رويترز” وبتأثير من ” اللوبي ” الصهيوني حاولت تجهيل الفاعل عندما استشهد مصورها اللبناني في الجنوب بصاروخ جو – ارض اطلقته طائرة ” اباتشي” في علما الشعب،فيما جرح ستة من المراسلين والمصورين اللبنانيين من جنسيات مختلفة.

كذلك اقدمت “رويترز” على معاقبة اربعة من العاملين لديها من الجنسيتين اللبنانية والمصريه لأنهم كتبوا عبارات مؤيدة للفلسطينيين وداعمة لهم في وجه ما يتعرضون له من إبادة جماعية.كل ذلك تحت عنوان “معاداة السامية”. هناك الكثير المعلومات والتفاصيل التي لا مجال لذكرها ،لكن في المحصلة يتبين لكل مدقق متمحص آلاتي :

1- إن ” اللوبي الصهيوني” لا يزال متغلغلا في الجسم الاعلامي الدولي، وممسكا بمفاتيحه .

2- إن هذا ” اللوبي” له السيادة المطلقة على وسائط التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث في العالم. وهو الاقدر على توجيه اللعبة الاعلامية في عنوانها العريض، وعناوينها الفرعية نحو المدارات التي تنسجم مع سياسته.

3-إن الاعلام العربي والاسلامي، ممانعا كان او غير ممانع،لا يمتلك قدرات هذا ” اللوبي” ،ولا وسائل الضغط التي تلجمه وتحاصر أضراره.

4-إن ترجح الموقف الاوروبي من الفواجع التي تحل بالفلسطينيين بين الصمت المريب وادانة الضحية، يدل ان دول القارة العجوز تعيش رهاب الاتهام ب”معاداة السامية”، بدليل مواقفها الرافضة لاتهام اسرائيل والتي تميل إلى إيجاد المبررات لمجازرها. وقد بدا ذلك واضحا في مؤتمر القاهرة للسلام الذي عقد امس في الجمهورية المصرية.

5- إن مواقف الدول الاوروبية لم تحجب عن العالم تعاطف شرائح واسعة من ابناء هذه الدول الذين ملأوا الشوارع والساحات وهتفوا للحق الفلسطيني منددين باجرام إسرائيل.

لكن الواقع على الارض يثبت يوما بعد يوم أن مفاصل الدول العميقة على امتداد أوروبا هي في يد ” اللوبي ” الصهيوني. لقد ظهر بما لا يقبل النقض الا تلازم بين ما ترفعه أوروبا من شعارات حول الحقوق الانسانية للافراد والشعوب وممارساتها العملية التي تدل على ارتهانها غير المسبوق في تاريخها الحديث لتل أبيب وإملاءاتها. هذا الواقع الذي يرخي بثقله على واقع المشهد السياسي والعسكري غداة الحرب في فلسطين المحتلة ،لن يتبدل في مدى زمني قريب.

وسيمر وقت طويل حتى تستقيم البوصلة. والغلبة ستكون في نهاية المطاف إلى جانب أصحاب الحق، اذا ظل هؤلاء على ثبات موقفهم، واستمروا في مقاومة محاولات ابادتهم، أو حملهم على توقيع صك الاستسلام، والتسليم بحل وفق المحددات الاسرائيلية. وحده الحل العادل والشامل هو الذي يؤدي إلى احقاق الحق مهما طال أمد المعاناة.