الخدمات الاعلامية

حرب تشرين 1973 التحريرية فاجأت العالم / عبد الهادي محيسن/ الشراع

الشراع 9 تشرين اول 2023

لم تكن الساعة تتجاوز السادسة صباحا بتوقيت واشنطن يوم 6 اكتوبر 1973 حين وصلت برقية مفاجأة من السفارة الأميريكة في تل أبيب الى غرفة العمليات في البيت الأبيض  تقول أنه قد توفرت لإسرائيل أخيرا الأدلة الحاسمة أن السوريين والمصريين يخططون للقيام بهجوم الساعة الثانية من بعد الظهر حسب توقيت الشرق الأوسط وقد أكدت رئيسة الوزراء مائير للولايات المتحدة أنه ليس في نية إسرئيل أن تبدأ هي الأعمال القتالية كما طلبت أن توجه الولايات المتحدة جهودها باتجاه منع الحرب .

استلم كيسنجرالرسالة وهو في نيويورك بينما استلمها نيكسون وهو في كي بسكين فلوريدا ، وخلال الفترة أقل من ساعتين التي بقيت لابتداء الحرب بادر كيسنجر فدعا الإسرائيليين محذرا إياهم من ابتداء القتال ، طالبا من السوفيات استعمال نفوذهم للحيلولة دون الحرب هاتفا للسفير المصري لدى الأمم المتحدة ناقلا له الرسالة الإسرائيلية التي تؤكد أن إسرائيل لن تبادر للحرب ومرسلا كذلك رسائل الى الملك حسين والملك فيصل .

كي يقدمان كل ما لديهما من إمكانات لتأمين الاعتدال بيد أن جهود كيسنجر ذهبت سدى إذ أن الكلمة الأولى عن الأعمال الحربية تلقاها بعد الساعة الثانية بقليل … ترى لماذا أخرجت واشنطن من الحساب ؟ بالتأكيد كان هناك ما يكفي من الأدلة على خيبة أمل السوريين والمصريين الناجمة عن الواقع الراهن وعلى قدراتهم العسكرية الهائلة وعلى نيتهم في الرجوع لاستخدام القوة في وقت من الأوقات لاسترداد أراضيهم المحتلة منذ العام 1967 .

لقد ذكر السادات صراحة وفي مناسبات عديدة نيته في خوض الحرب وبصورة مكشوفة تماما ففي نيسان 1973 وخلال الربيع كانت المناورات العسكرية المصرية تجري بصورة واقعية وعلى غير العادة ، كما أشاعت جو الحرب الخالص وقد تمكن محللو الإستخبارات لدى وزارة الخارجية الأميريكة في 31 أيار أن فرص خوض الرئيس السادات الحرب في الخريف هي أفضل من أي وقت لعدم وجود مبادرة سياسية معقولة تهدف الى التسوية السياسية .

كما حذر الأمين العام للحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف أثناء مباحثاته مع الرئيس الأميركي نيكسون في سان فرنسيسكو في حزيران من أن العرب يخططون للحرب وأنهم هذه المرة مصممون وليس ثمة إلا الضغط الأميركي على إسرائيل للقيام بتنازلات من شيء يمنع الأعمال الحربية .

لقد كانت غزارة المعلومات محيرة بالواقع إلا أنها كانت غير مترابطة أيضا ، فإلى جانب تقرير موثوق به مفاده أن مصر وسوريا كانتا تخططان للقيام بهجوم عسكري مشترك في المستقبل القريب جاءت عشرات التقارير الموثوقة أيضا والتي رسمت صورة مغايرة تماما ، وفي 4 أكتوبردخل المعادلة عنصر جديد فقد ذكرت التقارير أن المدنيين السوفيات يجري ترحيلهم من سوريا ومصر .

لماذا أخطأت جماعة الإستخبارات الأميريكة ؟ لماذا فوجئ كيسنجر ؟ اين كان خبراء الشرق الأوسط جميعا ؟ ثمة إنحرافان أساسيان في المفاهيم هما اللذان أديا الى سوء فهم النوايا المصرية السورية ، الأول أنه كان يفترض على نطاق واسع أن التوازن العسكري هو المفتاح لما إذا كانت ستقع حرب أخرى في الشرق الأوسط أم لا ، وقد كان هناك عنصرا أساسيا في السياسة الأميركية منذ عام 1967 فمهما يكن شعور العرب حسب هذا الإفتراض بضرورة إستعادة أراضيهم بالقوة فإنهم لن يخوضوا الحرب إذا كانت تواجههم هزيمة حتمية أما من حيث التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وكذلك التدفق الكبير للأسلحة الأميركية عليها بعد عام 1970 فسيكون نوع من الحماقة لأن يبادر العرب الى شن حرب .

وبعد مرور 24 ساعة على بداية الحرب كان الإسرائيليون في حالة مقيتة لكنهم في إتصالاتهم مع الولايات المتحدة كانوا ما يزالون يظهرون واثقون من النجاح وقد اجتمع السفير الإسرائيلي دينتز مع كيسنجر وقدم له قائمة بالأسلحة التي تحتاجها إسرئيل ولم يكن هناك شعور بالعجالة والإلحاح مع الطلب وعندما اجتمع فريق العمل الخاص يوم 7 اكتوبر كان تقرير السي آي إي يقرر أن إسرائيل ستستعيد زمام المبادرة في اليوم التالي ثم تستمر الى أن تكسب الحرب في نهاية الأسبوع .

والوقع أن إسرائيل كانت تواجه صعوبات عسكرية على كلتا الجبهتين ففي الجولان كانت شبكات الدفاع الجوي السوري تدق ناقوس الموت لطائرات السكاي هوك والفانتوم الإسرائيلة وفي سيناء باءت بالفشل المحاولة الإسرائيلية التي قامت بها مدرعاتها لاختراق الخطوط المصرية وتصاعدت النداءات الإسرائيلية طالبة التزويد ثانية بالمعدات من الولايات المتحدة ، كما تكلم دينتز عدة مرات مع كيسنجر فقال له أن طائرات العال الإسرائيلية يمكن أن تبدأ شحن المعدات في اليوم التالي إذ يمكن مبدئيا أن تعوض الخسائر الإسرائيلية وحين تذمر دينتز وشكا من بطء الإستجابة الأميريكة وضع كيسنجر اللوم على وزارة الدفاع عندهم .

من منظور واشنطن دخلت الحرب طورا جديدا وحادا إذ تضاءلت ما بين 9و12 أكتوبر إمكانية نصر إسرائيلي حاسم وسريع على كلتا الجبهتين تضاؤلا شديدا كذلك بدأت الضغوط تزداد لإعادة تزويد القوات الإسرائيلية بالمعدات العسكرية بصورة ملحة فدعت الولايات المتحدة الى وقف لإطلاق النار في المكان الذي وصلت اليه القوات المتحاربة ولكن العرب رفضوا ذلك ، وهنا بدأت الأسلحة بالتدفق الى إسرائيل على متن طائرات العال الإسرئيلية ثم غدت ترسل أيضا مباشرة على متن الطائرات الأميريكة .

عبد الهادي محيسن …. كاتب وباحث

 

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi