الخدمات الاعلامية

الأستاذ طلال سلمان الذي نقدّره ونفتقده/ كتب: السيد صادق الموسوي/ الشراع

كانت معرفتي بالأستاذ طلال سلمان الراحل في أواسط عام ١٩٧٥ حين كنت أجول على وسائل الإعلام اللبنانية للتعريف بنهضة الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه..

وكان الجو الإعلامي العام ممسوكاً بالكامل من قبل الدولة اللبنانية آنذاك وهي بدورها كانت محكومة من قبل السفير الإيراني في لبنان الجنرال منصور قدر، وهو كان يتصل مباشرة بشاه إيران متجاوزاً التسلسل الإداري والمؤسساتي..

وكان أقطاب الدولة والشخصيات من مختلف الطوائف مرتبطون كلهم بصورة أو بأخرى بالنظام الإيراني البائد، وكانت النتيجة أن لا أحد يجرؤ على كسر الحصار الإعلامي المفروض حول الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني الراحل.

كانت بداية التعرف على الإخوة في صحيفة ” السفير ” من خلال الأخ العزيز الأستاذ حسن صبرا الذي كان في حينه يُصدر صحيفة ثم مجلة ” القومي العربي ” والذي تعرفت عليه بدوره من خلال الأخ العزيز الأستاذ عدنان الساحلي، ثم تطورت العلاقة بحكم ترددي على الجريدة بين الفينة والأخرى لتزويد الأستاذ باسم السبع الذي كان نائباً لرئيس التحرير بالأخبار حتى صار الجميع في ” السفير ” يعرفونني، وتطورت العلاقة حتى وصلت إلى الراحل الأستاذ طلال سلمان شخصياً في إحدى المرات.

لقد كان الإحتلاف العقائدي واضحاً بيني كعالم ديني منصهر كلياً في خط الإمام الخميني وبين من يعملون في صحيفة ” السفير ” من ذوي التوجه اليساري ـ القومي العربي، لكن كان الإحترام يسود العلاقة بيني وبين جميع العاملين فيها وعلى رأسهم الأستاذ طلال سلمان؛

فكانت تغطية السفير في البداية لأخبار الثورة الإسلامية في إيران محدودة جداً حتى أن يوماً جاء إسم الإمام الخميني في ” السفير ” في سياق أخبار إيران بلفظة ” آيتولا كوميلو “

فراجعت الأستاذ باسم السبع معاتباً وقلت له:

هذا الإسم يشبه الأسماء الإسبانيولية والخبر عن إيران!

فأجابني بأنهم في الجريدة تسلموا الخبر مترجماً من وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية ونشروه من دون تدخل وإمعان.

لكن العلاقة توطدت، ومع توسع التظاهرات في إيران كانت هناك محاولات متعددة الوجوه للتعامل معها؛ فالأبواق العميلة لنظام الشاه ووسائل الإعلام الغربية كانت تقول أن وراء تلك التحركات هم الشيوعيون، والشيوعيون في إيران كانوا بدورهم يحاولون تصدر المسيرات زوراً، و ” مجاهدو خلق ” كانوا بدورهم يحاولون رفع لافتاتهم في المظاهرات، وتحركت المجموعات الإنفصالية متحينة الفرصة في مناطق مختلفة للمطالبة كلٌ بشعارات تنادي بالإنفصال عن الدولة الإيرانية، بإسم ” كردستان ” و ” عربستان ” و ” بلوچستان ” وغيرها، وفي الوسط الديني كانت هناك محاولات لحرف مسار الثورة الإسلامية من جانب بعض علماء الدين وحتى مراجع الحوزة الذين كانوا يوالون نظام الشاه بالقول أن بعض الإصلاحات تكفي لتوقف الإعتراضات مع الإبقاء على النظام الملكي..

وكان لكلٍ من هؤلاء مناصرون ومؤيدون في لبنان.

لكن توطد العلاقة بيني وبين الإخوة في جريدة ” السفير ” ووضعهم في الصورة الحقيقية للأحداث بصورة متواصلة جعلهم يعطون حيزاً كبيراً لأخبار الثورة بقيادة الإمام الخميني الراحل، بل ونشر البيانات التي كنت أصدرها تحت إسم ” رجال الدين المناضلون الإيرانيون ” و ” علماء الدين المناضلون في لبنان ” و ” الحركة الإسلامية في لبنان ” وأيضاً ما كنت أصدره باسمي.

ومع مغادرة الإمام الخميني العراق ووصوله إلى باريس وتسريب الخبر إلى وسائل الإعلام اللبنانية التي كنت على علاقة معهم بدأت تتقاطر وسائل الإعلام اللبنانية والتي كانت تصدر بالعربية في العاصمة الفرنسية إلى هناك لإجراء المقابلات مع الإمام.

ومع تسارع التطورات في الداخل كان التهافت على الحضور إلى نوفل لو شاتو حيث مقر الإمام الخميني من كافة وسائل الإعلام العالمية، ولم يعد الأمر مقتصراً على المتعاطفين مع الثورة الإسلامية، بل كانت أنظار العالم كله مشدودة إلى الخيمة التي يصلي فيها الإمام الخميني ثم يلقي كلمة أمام الحاضرين، ويتسابق مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة لإجراء المقابلات مع سماحته ونشر مواقفه، وكنت أنا المسؤول عن الإرتباط بوسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية ومترجم بيانات ومقابلات الإمام إلى اللغة العربية وحتى حضور لقاءات المسؤولين العرب معه حين كنت متواجداً هناك،

وكان من بين الحاضرين الأستاذ طلال سلمان حيث أجرى مقابلة صحافية مفصلة مع الإمام الراحل.

وأخيراً مع انتصار الثورة الإسلامية يوم ١ شباط ١٩٧٩ وقرار الإمام العودة إلى الوطن حاول بعض من كانوا هناك اقتصار المرافقين للإمام في تلك الرحلة التاريخية على ممثلي وسائل الإعلام اللبنانية ذوي الميول الغربية، لكني أصررت على أن يكون الأستاذ حسن صبرا والأستاذ باسم السبع في ضمن مرافقي الإمام إلى طهران، وكانت صحيفة ” السفير ” قد تبنت بالكامل الثورة الإسلامية حتى أن المانشيت الرئيسي للصحيفة ذي التوجه القومي العربي كُتبت باللغة الفارسية في عددها الصادر في يوم الإنتصار.

وتوجهت الوفود اللبنانية من مختلف المجموعات والتوجهات بعد ذلك إلى طهران لإعلان تضامنها مع الثورة الإسلامية وقيادة الإمام الخميني الراحل.

وبقي الأستاذ طلال سلمان متعاطفاً مع الجمهورية الإسلامية في إيران وكذلك صحيفة السفير طوال سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية وحتى أعدادها الأخيرة تنقل أخبار إيران بصورة إيجابية، حتى كانت آخر زيارة للأستاذ  طلال سلمان إلى طهران في العام ٢٠١٥.

لقد كانت لي مع الراحل لقاءات عديدة في مكتبه في مبنى ” السفير ” القديم والجديد وفي منزله بمناسبات عديده، وكانت بينه وبيني أجواء مودة خاصة، وكان آخر لقاء معه في معرض الكتاب العربي في بيروت وذلك قبل تدهور صحته، وبعد توعكه وأثناء تواجدي في بيروت حاولت مراراً عيادته في المستشفى وفي المنزل لكن وضعه الصحي في تلك الأثناء لم يكن يسمح بذلك.

المهم أن شخصية الراحل الأستاذ طلال سلمان هي مميزة قل نظيرها في عالم الصحافة اللبنانية والعربية حيث كان مع احتفاظه بقناعاته يفسح في المجال للأفكار الأخرى مهما تعارضت معه ببيان وجهات نظرها على صفحات السفير، ولذلك بقيت صحيفته بحق ” صوت الذين لا صوت لهم ” حتى اضطر إلى التوقف عن إصدارها لظروف هو أعلم بها، لكن الأستاذ طلال سلمان بقي هو بشخصه من أساطين الصحافة وأعمدة الإعلام اللبناني والعربي ويكنّ له الجميع على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية كل المحبة والتقدير.

نسأل الله سبحانه أن يشملنا وإياه بعفوه ورحمته ويتجاوز عن سيئاتنا بلطفه وكرمه إنه بعباده خبير بصير.

السيد صادق الموسوي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi