متفرقات

اليسار في اميركا اللاتينية: انهيارات متلاحقة(٣) /الكاتب عبد الناصر طه، فنزويلا/ الشراع

الشراع 19 حزيران 2023:

 

 إشتراكية واقعية:

الإشتراكية اللاتينية لم تعد مجرد شعارات تنادي بالدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ولا تدعو الى محاربة الرأسمالية التي تتحكم في أسواق العمل، كما أنها حذفت من قاموسها شعارات الامبريالية والاستعمار،  إلا في بعض الدول التي تعتمد النمط الشيوعي في علاقاتها الدولية.

كما تحول النظام الاشتراكي كثيرا، ما جعله يصبح صيغة جديدة للحكم الديموقراطي المنتظم وفق معايير قانونية ودستورية تكفل التطبيق. وصارت تحتكم في تداول السلطة إلى صناديق الاقتراع كوسيلة وحيدة مقبولة النتائج،  وتنبذ التعرض للآخر بوسائل العنف والترهيب والقتل، كذلك فهي لا تعادي السوق العالمي بل تتأقلم معه حسب ضرورات المرحلة وفقاً لمعايير الإنتاج وتناسبا مع أوضاع كل دولة بمفردها.

ثم انتقلت في معظم أحزابها الى شعار( العدالة الاجتماعية)، نظرا لما يثير مصطلح (الإشتراكية)  في نفوس الشعوب اللاتينية، لأنها تذكرهم بويلات الحروب الاهلية، وعهود الصراع الدامية .

وها هي اليوم ترفع شعارات كانت تعتبرها سابقا من شعارات اليمين الليبرالي والمحافظ، وأهمها تشكيل الاحزاب السياسية والمنظمات الأهلية بديلا للحركات والمنظمات الثورية المسلحة.
كما نراها في أدبياتها الحديثة،  تنادي بحرية المرأة وضرورة مساواتها مع الرجل،  وتمكينها من فرص الدخول إلى سوق العمل،  ثم إلى ميادين السياسة والثقافة والاجتماع.
وتشدد مقولات الإشتراكية اللاتينية على تطبيق  الانماء المتوازن بين المدن والأرياف المهملة،  وإلى الغاء التمييز العنصري بين المواطنين،  واحترام حقوق الأقليات الدينية والعرقية،  تلك الاقليات المحرومة تاريخيا من أبسط حقوقها.

تصدّع وتباين:

ذلك كان الطريق الشاق الذي سار عليه الاشتراكيون اللاتينيون بعد مرحلة الحروب الاهلية التي مرت بها القارة، حتى كان لهم ما أرادوا،  وسيطروا بشكل كبير وشبه تام على الدول الكبرى، من فنزويلا إلى كولومبيا  و البيرو  و تشيلي وبوليفيا والأرجنتين والبرازيل؛  وهندوراس ونيكاراغوا  وكوبا في اميركا الوسطى،  وتناوبوا على حكم الدول الباقية، ناهيك عن الفوز برئاسة دولة المكسيك اللاتينية شعبا وانتماء ولغة؛ ما جعلهم يشكلون الحكم اليساري الأكبر الذي لم تشهده اميركا اللاتينية من قبل.
لكن كيان الجبهة المتناسقة بدأ بالتصدع سريعا،  لأسباب متعددة، منها داخلي ومنها خارجي، ومعظمها الفهم المختلف للاشتراكية لدى كل حزب أو  جبهة أو فريق ائتلافي حاكم.
هذا اليسار اليوم، يتخبط في مشاكل داخلية وخارجية،  حيث ظهرت انقسامات عميقة تتعلق بالبنيوية، وتباينت التوجهات الفكرية الحديثة التي انتهجتها الأحزاب والقوى اليسارية اللاتينية، وتناقضت الممارسات مع المفاهيم ، وما يشهد على ذلك هو إقدام النظام الشيوعي في نيكاراغوا على إلغاء جنسية ٩٢ مواطنا، معظمهم من المفكرين والاعلاميين والفنانين المعروفين محليا واقليميا، ثم إغلاق المدارس والمراكز الثقافية التابعة للكنائس الكاثوليكية،  ثم إبعاد ٢٢٢ مواطنا إلى أميركا بعد اخراجهم من السجون ونزعل الجنسية منهم.هنا انقسم اليسار بين متطرف ومعتدل،  وآخر منشغل بأمور بلاده الداخلية.

ولعلّ الانقلاب الذي قام به برلمان البيرو على الرئيس الشرعي المنتخب ” بيدرو كاستيو”، كان الشرارة الأولى في الحرائق السياسية على مستوى القارة؛ وما تلا ذلك من مظاهرات ضد الرئيس البرازيلي المنتخب ” لولا دي سيلفا” ، من جماعة اليمين البرازيلي التابع للرئيس الأسبق ” بولسنارو” ، إضافة إلى هجوم يميني مركز من جهة الرئيسة الحالية لدولة البيرو ” دوارتي”، ضد اليسار عموما ورفضها اي مبادرة من دول اليسار اللاتيني واعتبار ذلك الأمر تدخلا في الشؤون الداخلية للدولة؛ والجامع المشترك بين مناهضي اليسار هو الدعم اللا محدود من قوى اليمين المتحالفة مع رجال الأعمال ومع قيادات القوات المسلحة الذين يدين معظمهم بالولاء والطاعة لأمريكا.

عجزُ وترهل:
امام هذا الواقع،  يستطيع اي مراقب لليسار اللاتيني أن يلاحظ عجز كل من الرئيسين المؤهلين لقيادة اليسار عن الفعل، فالرئيس البرازيلي منكفىء جدا ويعمل على استقرار حكمه داخليا دون غوص في مشاكل حلفائه كما فعل ذلك من قبل، إبان رئاسته الأولى ، ودون اي شعور بدور قيادي لليسار على مستوى القارة، ويشبهه الرئيس المكسيكي الذي يحاول القيادة في بحر متلاطم الامواج، من اندفاعات اليمين في البرازيل والأرجنتين والبيرو وكولومبيا،  ومن اخفاقات اليسار في نيكاراغوا وكولومبيا وفنزويلا؛ والرئيس الكولومبي” بترو” ينسق  نشاطه السياسي مع ما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية،  ويقود حملة ترتيب العلاقات بينها وبين صديقه الرئيس الفنزويلي ” نيقولاس مادورو”، وكأنه يغرد خارج السرب الاشتراكي.ناهيك عن ظهور موجة سياسية جديدة يقودها رئيس السلفادور ” نجيب بو كيلي”، من مبادىء وأفكار  سياسيةجديدة، تقوم أعمدتها على الاهتمام بالشان الوطني بعيدا عن الاصطفاف الايديولوجي، ويتردد صدى تلك الموجة ،وتلاقي رواجا كبيرا في اوساط النخب السياسية اللاتينية، حتى ان البعض يماثل بينها وبين تجربة ولي العهد السعودي ” محمد بن سلمان”.

فهل تكون اللاايديولوجيا في المستقبل هي البديل الأنسب للشعوب، بعيدا عن اليمين واليسار ومتفرعاتهما.

الكاتب عبد الناصر طه،

فنزويلا

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi