الخدمات الاعلامية

الله لا يُخلِف الوعد ولا الوعيد/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 6 نيسان 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{إن الله لا يُخلف الميعاد} سورة آل عمران.

إن من أصول عقائد أهل الحق أن الله لا يُخلِف الوعدَ بالثواب ولا الوعيدَ بالعذاب،لكن شذَّ شذوذًا فاحشًا بعضُ المنتسبين للعلم فانحرفوا عن الصواب وزعمواوالعياذ بالله أنه يجوز على الله أن يُخلف وعيده للعصاة وهذا على خلاف ما دلَّ عليه الشرع فلا يُعتدُّ بهذا الزعم الباطل، وبالتالي لا عبرة بذكر ذلك في كتب بعض المتأخرين الذين يقلِّد بعضهم بعضًا دون اعتماد الدليل أصلًا للمسألة فإن التقليد في العقيدة بغير اعتماد الدليل قبيح، وقد ذمَّ الله الكفَّار لتقليدهم الأعمى قال تعالى:{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتَّبع ما ألفينا عليه ءآباءَنا أَوَلَو ْكان ءابآؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون} سورة البقرة.

وقد شذ شذوذًا فاحشًا من جوَّز خُلفَ الوعيد على الله بالنسبة للعصاة الذين يموتون دون توبةٍ من المتأخرين كالباجوري في “شرح الجوهرة” وغيره وقد احتجالقائلون بذلك بنحو قول الشاعر:

وإني إذا أوعدتُه أو وعدتُه                 لمخْلِفُ إيعادي ومُنجزُ موعدي

ومراد القائل أنه إذا وعد بالمكافأة والعطية يُنفِّذ وعده وإذا توعَّد بالعقوبة يُخلف أي يعفو ويصفح فقالوا: إن خُلف الوعيد كمال لائق بالله فإن الكريم إذا توعَّدفقدَر عفا، ولكن هذا الاستدلال في غير محلِّه وحال القائل به كحال من يقيس البيض على الباذنجان لأن الكريم من الناس إذا توعَّد ثم غيَّر رأيه فعفا عُدَّ ذلك من الفضائل في حقه والخالق تعالى لا يُقاس بالمخلوق، وإلا أدى ذلك إلى وصف الله بالكذب، وقد قال تعالى{ما يُبَدَّلُ القولُ لدي} فظهر بطلان كلامهم.

الوعد والوعيد حق

وقد جاءت نصوصٌ صريحةٌ في القرآن والحديث فيها القطع بالعقوبة للكافرين وبعض العصاة الذين يموتون من غير توبة فأما الكفار فلا مغفرة لهم ألبتة، قال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء} سورة النساء. أما المؤمنون العصاة فنظرًا للنصوص الدَّالة على التعذيب والعفو نؤمن أن فريقًا من أهل الكبائر سيُعذَّبون لا محالة وفريقًا يُسامحهم الله فلا يُعذَّبون بالمرة قال تعالى:{يغفر لمن يشآء ويُعذِّب من يشآء} سورة الفتح. وحيث دلَّ الدليل على تعذيب فريقٍ من المؤمنين العصاة بلا شك فمن الضلال القول بخلافه لأنه يؤدي إلى نسبة تغيُّر المشيئة لله تعالى والتغيُّر دليل الحدوث قال تعالى:{مايُبدَّل القول لدي} سورة ق. قال أبو حيَّان في “البحر المحيط: “لدي أي عندي (أي عند الله) فما أمضيتُه لا يُمكن تبديله”. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” رواه أبو داود. فمن نسب تغيُّر المشيئة لله تعالى فقد ضلَّ ومن زعم جواز خُلف الوعيد في حق الله بالنسبة لجميع المؤمنين العصاة الذين ماتوا بلا توبةٍ فقد ادعى أن الله يتوعَّد بما لا يكون وهذا من أكذب الكذب والعياذ بالله. ولنزيد هذا البيان إيضاحًا نقول: قال تعالى:{ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسُوله} سورة البقرة. قال الطبري في “تفسيره”: “قال ابن عبَّاس قوله فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله فاستيقنوا بحربٍ من الله ورسوله”. وقال تعالى:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلمًا إنما يأكلون في بُطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} سورة النساء. قال أبو حيَّان في “البحر المحيط”: “وقال الأكثرون نزلت في الأوصياء الذين يأكلون من أموال اليتامى ما لم يُبح لهم وهي تتناول كل من أكل بظلمٍ وإن لم يكن وصيًّا”.

ومن المعلوم أن أكل الربا وأكل مال اليتيم ظلمًا حرامٌ ليس كفرًا ومع ذلك فقد توعَّد الله عليه فإن عذّب الله بعض العصاة وسامح البعض صدق الوعيد، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يخرج قومٌ من النار بعدما مسَّهم منها سَفْعٌ فيدخلون الجنة” والسَّفْعُ الأخذُ بقوة أي مسهم عذاب والمراد يدخلون الجنة بعد عذاب، وفي البخاري أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تأكل النار ابنَ آدم إلا أثر السجود حرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتُحِشُوا”. و“امتُحِشُوا ويصح امتَحَشُوا أي احترقوا. وفي الحديث إشارةٌ إلى فضل الصلاة وأن بعض العصاة وإن كانوا يصلون الفريضة سيُعذبون لذنوبٍ أخرى، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها” الحديث، أي يعلم آخرَ المؤمنين العصاة لا الكفار. وفي البخاري أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”دخلت امرأةٌ النار في هرةٍ ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خَشَاش (هوامِّ) الأرض”. وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”فإن الله لا يُخلف الميعاد” والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وما ذكرت إلا بعضًا منها خشية الإطالة. وممن نصَّ من العلماء على أن الله تعالى لا يُخلف الوعد ولا الوعيد الإمام النسفيفي “تفسيره عند قوله تعالى :{إن الله لا يُخلف الميعاد} سورة آل عمران. وكذلك السمعاني في “تفسيره” عند قوله تعالى:{إن الله لا يُخلف الميعاد} سورة الرعد. وكذلك غيرهما، وقال ابن عطية في “تفسيره”: “الوعد في الخير والوعيد في المكروه والميعاد يقع لهذا ولهذا. ونقل الشوبري في “حاشيته على الشرح الكبير” عن الغزالي وابن عبد السلام في الأمالي تحريم الدعاء بمغفرة جميع الذنوب لجميع المؤمنين وبعدم دخول أحدٍ منهم النار لأننا نقطع بخبر الله تعالى وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم من يدخل النار.

قلتُ: وحيث ثبت في نصوص الشريعة أن فريقًا من العصاة سيُعذَّبون فإن الدعاء بخلاف ما جاء في الشريعة تكذيبٌ للدين. ولكن يجوز الدعاء بقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمعنى اللهم اغفر لبعض المؤمنين بعض ذنوبهم ولبعض المؤمنين جميع ذنوبهم. وليت شعري لو قيل لمن يُجوِّز خُلف الوعيد للعصاة على الله: لم لا يجوز إذًا الخلف في وعيد الكافرين فإن لم تجوِّز ذلك لورود تحققه فلم جوَّزته في وعيد العصاة وقد جاء في الشرع تحققه أيضًا.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi