عندما يتذكر صائب سلام!!/ ​​​​​​​حكمة .س. أبو زيد/الشراع

الشراع 30 اذار 2023

​في الأجزاء الثلاثة من مذكرات الرئيس صائب سلام الكثير الكثير من الوقائع والقصص والاحداث والأحاديث الملأى، بدورها، بكمّ هائل من الطُرَف والشجون والمفاجآت المذهلة! ولعل ما يذكره أبو تمام عن أحداث 1958 وحرب 1975-1989 وما سبقهما ورافقهما ونتج عنهما، هو من أهم ما يلفت القارئ في المذكرات، والاهم فيها تلك العلاقة “الحميمة” حينا” والمتوترة، بل “المزوبعة” احيانا” كثيرة مع ياسر عرفات (أبو عمار). ومن عيّنات هذه العلاقة الزئبقية هذه العيّنة المنقولة من الصفحة 1509 من الجزء الثالث من المذكرات:  

“ جنيف: الاثنين 3 أيلول /سبتمبر 1990

على الرغم من توجيه كل تفكيري ومشاعري اليوم الى ما نعانيه كعرب ومسلمين، ومن قلقي الشديد على ما يصيب وسيصيب أكثر وأكثر الامة العربية في حاضرها ومستقبلها، وربما للتمويه عمّا أنا فيه، أذكر للتاريخ أمرا” لا علاقة له بكلّ ما ذكرت، وإنّما هو يؤكّد ما وقع فيه الزعماء العرب تكرارا” من أخطاء، وهم في مراكز المسؤولية والقيادة … ولا أخصّ أحدا” بالذات في ما سأذكر:

​اطّلعت اليوم في جريدة “النهار” على حلقة من سلسلة أحاديث يجريها “ميشال أبو جودة” مع الأباتي “بولس نعمان”، فلفت ذلك نظري، فقد ذكر “نعمان” حادثتين ذكّرتاني بما جرى معي ومع “أبو عمّار” (ياسر عرفات) لما فيهما من تشابه كلّي.

​فعندما كانت العلاقات تشتدّ تأزما” بين الفلسطينيين و”الكتائب اللبنانية”، ويا ويل الاثنين من “بيار الجميّل” و”أبو عمّار”!! وما كان بينهما من اقتتال وكثير من الخسائر في الأرواح وعلى كلّ صعيد، وما كان يصيب لبنان واللبنانيين من ذلك، أيضا” على كلّ صعيد ولا داعي للتفصيل، فكّرت في القيام بمسعى، ربّما يمكّننا من تفادي كلّ ذلك لمصلحة الجميع.

​فجمعت عندي في المصيطبة “هاني الحسن” و”أبو الحسن” (“حسن سلامة”)، بموافقة “أبو عمّار”، مع “إسكندر الجميّل” و”جوزيف أبو شرف”، بموافقة “بيار الجميّل”.

​وبعد غداء هادئ، وفي جوّ من الاقناع والاقتناع، توصّلنا الى اتّفاق مدوّن في بنود عدّة، وضعناها في ورقة عمل، على أن يوافق “بيار الجميّل” و”أبو عمّار”.

​وهي تقضي في عناوينها ب (1) وقف القتال (2) عودة المهجّرين (3) الانسحاب من الجبل (4) وتسليم السلطة للشرعية.

​ولم يتأخر الكتائبيون يوما” واحدا” عن ابلاغي موافقتهم (أي موافقة “الجميّل”)، بينما زاغ عنّي ” أبو الحسن” و”هاني”. وعند الحشرة يتّصلان بي متذمّرين…من “أبو عمّار”. حتى حضر “أبو عمّار” أخيرا”، وحاول بمراوغته وكذبه المعتاد أن يتملّص، فكنت قاسيا” معه جدا” على صعيد شخصي وعام.

​وفي النتيجة، جاء إليّ ” أبو الحسن” وسلّمني رسالة رسمية موقّعة من “ياسر عرفات” بصفته الرسمية، فأبلغتها فورا” للكتائبيين.

​لكن أيضا” وأيضا” استمرّت ملاحقة الكتائبيين لي في الليل والنهار من جهة، كما استمرّت مراوغة ” أبو عمّار” وتهرّبه هو وجماعته من جهة أخرى.

​وإذ كنت في حالة قرف واشمئزاز كبيرين من الفلسطينيين فوق ما عندي من ملامة على جميع تصرّفاتهم السيّئة جدا”، أتى “تمّام” وقال: ” هلّا تطلعني على كتاب أبو عمّار؟”، وكانت التزويرة الكبرى واضحة عندما أتى بكتب سابقة من ” أبو عمّار” وفيها توقيع “ياسر عرفات” الأصلي، وقابل التواقيع مع التوقيع على الكتاب الأخير الذي بعث به إليّ، وقد خطر لي اليوم تسجيل هذا، عندما اطّلعت على ما يقوله “بولس نعمان“. “

صدق من قال: ” التاريخ ذاكرة الشعوب” وانت في ذاكرة التاريخ يا صائب بك!

​​​​​​​حكمة .س. أبو زيد

​​​​​​     صحافي وكاتب سياسي

مجلة الشراع