كتب شاعر فلسطين الأديب الاستاذ مروان الخطيب/ عيناك..ونهرُ سَتَندرا…! أو ..، ثُمَّ صَلَّى في مِحرابِ فاطمة…!

مَا بالُ قلبي،
يَرْحلُ في الأَصباحِ والظَّهيراتِ والأَماسي إلى عينيكِ،
يَغمسُ أشواقَهُ في نهرِ سَتَندرا،
ويحبو كَطِفلٍ مُترعٍ بالحنينِ إلى صدرِ أُمِّهِ،
يَتَسامى كَنَبيذٍ أُسطوريٍّ في عِتقِهِ،
ثُمَّ يُجَدِّلُ دَقَّاتِ بَوحِهِ على هيئةِ الرُّؤيا،
ويسترسِلُ في بثِّ شَهقاتِهِ إلى عينيكِ السَّاحرتين…!.
ما بالُ قلبي،
لا يتذكَّرُ أنَّهُ ابتعدَ لحظةً عن ذكرِكِ،
كأنَّكِ صلاةُ النَّاسِكِ في دَمي،
بلْ كأنَّكِ النَّعيمُ الملازمُ أحلامي وأتواقي،
وأراني أهرولُ صُبحَ مساء،
إلى جَنانِكِ البَهُورِ ووجهِكِ الصَّبُوحِ،
وإلى تراتيلِ العِشقِ في عينيكِ،
وأكتبُ ملحمتي فيكِ،
كما كتبَ سُليمانُ النَّبيُّ حَرفَهُ الوَرِقيَّ إلى بِلقيس،
وكما تأَبَّدَ ذاكَ العاشقُ الأوكرانيُّ فوقَ ضِفافِ نهرِ تِيسَّا،
فآزرَهُ القضاءُ،
فاستحالَ غيمةُ تُظلِّلُ حبيبَتَهُ في الأيامِ العِجاف…!.
ما بالُ قلبي،
يقفُ كلَّ صَباحٍ على شُرفةِ الهُيام،
يقرأ سِفْرَ انبلاجِهِ في عينيكِ،
ويهيمُ في تفاصيلِكِ الإغريقيَّةِ،
كأنَّهُ أوديسيوسُ العائدُ من لظى الأخطارِ إلى حِضنِ الأحلامِ في كتابِ بنيلوب…!.
ما بالُ قلبي،
كُلَّما ذكرَكِ،
ذكرَ مَلحَمةَ أراغون،
وذابَ توقاً ووجْداً إليكِ،
وهو مُسْتَغرِقٌ في قراءةِ تفاصيلِ العِشقِ الذي جمعَ بين (مجنون إلسا)، وبينَ تلك السَّحابةِ المَاطرةِ أدباً وحُبَّاً، والطائرةِ قَدَرَاً من أمواهِ الأولغا وإيرتيش إلى ضفافِ السِّين، فكانتْ إلسا تريوليه، شمعةَ العِشْقِ الذي أضاءَ انصهاراً قلبياً وإبداعاً استثنائياً، في حياةِ وعَطاءاتِ ابنِ نويي سور سين، الذي انتصرَ لحُبِّهِ ولغرناطةَ التي ذهتْ في غَيبوبةِ القيد، مُذْ وقعتْ في أشراكِ القُوطِ وحبائلِ مكرِهم اللَّعين…!.
ما بالُ قلبي،
يتهجَّاكِ، كما تَهَجَّى رُوميو جُوليت، ويتوقُ إليكِ فِردوساً سَرمديَّاً، كما تاقَ مجنونُ عبد الرَّحمن جامي إلى ليلاه، ويسترسلُ في لثمِ ذكراكِ، كانبهارِهِ حينَ شاهد (ملحمةَ الحُبِّ) وسَلَّمَ لبطليها شهير شيخ وسوناريكا بهادوريا بالألقِ الرَّفيعِ، وهما يصِّاعدانِ في مِعراجِ الشَّوق حَدَّ الوَجدِ اللَّهوبِ والذَّوبانِ النِّيرفانيِّ السَّحُور…!.
وبعدُ يا مُعَلَّقةَ قلبي وسُويداءَهُ وشَغافَهُ ووتينَه:
ها أنذا أقرأ فيكِ فِكرتي الكُبرى، وقُدسيَ المُعَندِلةَ في دَمِي، وأشهقُ أمامَ عينيكِ، كما لو أنَّني أسامرُ بحرَ عكَّا للمرَّةِ الأولى، وأصغي مليَّاً لأنفاسِكِ، كذيَّاكَ الفَارسِ الكرمليِّ، الذي جابَ الشَّواهقَ بشَغَفِ العَمَالقةِ الأوائل، ثمَّ تَناهى إلى الجَرمقِ، وكتبَ خُلودَهُ الأثيرَ، وقبلَ أن يَتَوارى في ملحمةِ بُوطان، تناهى فُراتاً إلى سُلجوقَ، ثُمَّ عَرَّجَ إلى البُحَيرةِ المُقدَّسةِ، فاستحمَّ في جُذورِ الكينا، وأهدى قصيدتَهُ إلى الصَّفصافِ، ثُمَّ صلَّى في مِحرابِ فاطمة…!.
ما بَالُ قلبي،
قدْ نَسِيَ تناولَ مَضغوطةِ دوائه مِراراً، ولمْ ينسَ طيفَكِ لحظةً، ونسيَ تناولَ شَهْدِهِ الخاصِّ، لكنَّهُ لمْ ينسَ شَهْدَ عينيكِ، بلْ باتَ المُنادى بين أصحابِهِ وخِلَّانِهِ بِشَاعرِ الفِكْرةِ، وشَبيهِ البُرقُوق، وَنَزِيلِ البَحرِ العَكَّاويِّ المُدَجَّجِ بالتَّاريخِ، وبرائحةِ نانبليون بونابرت وهو يجرُّ خلفَهُ ذيولَ الخيبةِ التي صفعَتْهُ بها عكَّا وفلسطينُ الأبيَّة…!.
وبعدُ يا نداءَ القلبِ وسَوسَنةَ الذَّاكرة:
ها أنذا أطوفُ مِنْ حَولِكِ، والنهرالبارد ملء خفقي، وكما طافَ حَوْلَ مَنْ في سَلجوقَ عُثمان، وكما أقامَ في لحدِهِ مِمُو مُجَاوراً زَينَ في بُوطان، وكما هو قائمٌ وَمُصَلٍّ في قلبي ما قدْ كان…!.

 

مَروان مُحمَّد الخطيب
3/3/2023م