منصة فلكية

منصة فلكية

صفحات من مقالات نُشِرت في جريدة البيان للكاتبة
**************

المنصة الأولى :
في مقاربة ثقافية وإنسانية لأمير الصعاليك العربي (عروة بن الورد ) الذي أقلق معظم القبائل العربية في شبه الجزيرة قبل الإسلام ، إذ كان يغير على أغنيائهم ويسبي من الأنعام ما قدر عليه ويذبحها ويوزعها على الفقراء الذين يتوسدون الأرض فراشا ويلتحفون السماء غطاء.
وكم كان يبيت الأمير وهو على جوع تصالح معه فصار توأمه، وقد دانت له بالمعروف كل البطون الخاوية وسودوه عليهم دون طلبه ، وأصبح رمزاً وإستحوذ على لقب ربَّما هو الأول من نوعه في العالم فكان
«أبو الفقراء » .
في الشرع والقانون (عروة مذنب)، في الحراك الإنساني فهو يأخذ من الغني البخيل ليقوم بأود الفقراء والضعفاء . وهنا يسأل سائل، لو أدرك « عروة » الإسلام وقام بما قام به فهل يقام عليه حد السرقة؟ أترك هذا الامر للعلماء والفقهاء .
عاش « عروة » قبيل قرن ونصف من السنين ودفن دون (ورقة نعوة)، ودون أن تشرَّع السرادق لتقبل العزاء ، ولم تنصفه وسائل الإعلام والروايات والمسلسلات.
« عروة بن الورد » إقتصَّ ممن كنزوا الذهب والفضة فسلبهم بعضها للشعب المسكين الذي كان « خطاً أحمرا » .
كانت أفعال عروة « غير حميدة » رغم أنّها تحمل ملامح إنسانية واجتماعية ولمصلحة الشعب اليائس … في مجتمعنا المترامي وفي كل أنحاء العالم كم من « سارقين » ! ! ! والفرق بينهم وبين عروة أنهم يسرقون لهم ولحيتانهم وليس للشعب . فإن كان هذا الزمان يعمل بحد السرقة أيّ قطع اليد ، يد من تُقطع ، الذين لا يشبعون ويغتالون أمن وصحة وأعصاب المواطن العادي والبائس والمحروم ، أم يداي « عروة » ؟ ؟ .
ولمن تنصب المشانق وتسنّ المقاصل ؟ ؟ ؟ .
*************
منصة ثانية:
لعلِّ في حكاية « الفانوس السحري » مقاربة بين « الإمتلاء وبين الفراغ » .
ولعلَّ في خرافة « الفانوس السحري » حكاية العفريت الذي حبسه النبي سليمان في قمقم ورماه في البحار أو في غياهب الصحراء لتنتعش مرادفات كثيرة عمن يحظى بالفانوس ويحك عليه ليخرج المارد من القمقم بمقولته المشهورة ( شبيّك لبيّك ، خادمك بين يديك) ، ومع كل ما خزنته الرواية من إبداعات أو تهديدات ، غير أن معظمها تحلَّق حول ثلاثة مطالب يحققها العفريت لمن يفك أسره ، ومعظم تفاصيلها أن يطلب المحظوظ من العفريت أن يسرق له مالاً كثيراً ، وأن يبني له قصراً منيفاً ، وأن يملأه بالحسان من كل الألوان والجنسيات ، وتنتهي قصة العفريت المحرَّر ويعود إلى قومه وتنتهي كذلك كل إحداثيات الخرافة.
ترى ماذا سيحدث لو أن فانوساً سحرياً وقع بين أيدي كل واحد من المسؤولين أو عشاق الجاه والمال أو من يؤثرون العمل العام على الخاص ؟ .
فلنضع شخصيات في أذهاننا ونتصور ! ! ! والذي سينجو منهم وتبدو رأيته منصورة سنصفق له كثيراً ونعقد له مجلس القيادة.
.… الفانوس السحري رمزية قديمة تسكنها الخرافة ، أما الفانوس السحري الحقيقي فهو في كل عزيمة وتصميم وإرادة وتغليب مصالح الأمة على المصلحة الفردية. **************
المنصة الثالثة:
كان لزوجة الملك المقدوني (فيليب) زوجة حكيمة مولودة من حياكة الثقافة والرؤيا الواضحة . ولمَّا ولدت الإسكندر الوريث وولي العهد ازدحم قصرها بالمهنئين يتمنون للوافد الجديد العلم والحكمة والثراء والعقل وطول العمر . لما فرغ القوم من تقديم هداياهم وتمنياتهم وقفت بينهم تتمنى أن يهبه الخالق « حظا يخدمه به اصحاب العقول » و ليس (عقلاً يخدم به أصحاب الحظوظ) .
وفي استحضار مفترض لدعاء أم الإسكندر في عصرنا أجدها تتمنى لإبنها مالاً يشتري به أصحاب الكفاءات ويمتلك به أقوى ترسانات الأسلحة ، وأن يكون على درجة من الخبث والدهاء ليقوى على اعلى حركة تحرر ، وبما أنه الحاكم يعلن عن الحزب الواحد والبطاقة الواحدة والنتيجة المسبقة لفرز صناديق الاقتراع . لوكانت أم الإسكندر تتمنى اليوم ما كانت لتختار الحظ بل ربَّما تختار لـه المذهب الأكثري والمنطقة المسيَّجة بكل الدفاعات وبخزانة ضخمة من المال، فاليوم محكوم بالقاعدة السوداء « قل لي ما تملك أقل لك من أنت »

***************
المنصة الرابعة : سأل الممكن المستحيل أين تسكن قال : « في . . . . نفوس الضعفاء » . . تحية إلى أصحاب الحاجات الخاصة.
إلى كل من فقدوا السيطرة على جزء من جسدهم وهم في عراك سعيد مع الإعاقة التي أسروها في زنزانة صغيرة من جسد مناضل .
تحية وهم يسعون إلى حقوقهم في العمل والقيادة والريادة . وقدماء الصين قالوا : « اليد الناعمة تجر فيلا » .

فلك مصطفى الرافعي