كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف /لبنان القضاء … تبخَّر بالفضاء …
كلما ذكرنا الدولة اللبنانية ، لا بد من ذكر الديموقراطية والحرية ، ولا بد أيضاً من ذكر الدورات للإنتخابات النيابية ، والحياة البرلمانية ، والتشكيلات الحكومية ، مع ما يصاحبها من تشريعات قانونية ورقابة قضائية ، وكل ذلك كان يميز الدولة في فصلِ السُلطات ، مع محيطه من الدول العربية ، ليتباهى بها لبنان بمصافِ الدول العالمية ، وتمِّ بها إعطاء المثال ، على نخبة الرجال ، بكل الصعد والمجال ، وفي معظم عهود الإستقلال ، إلى الطائف وما فيه من إستغلال ، لتتبدل في تطبيقه الأحوال ، ويُحكَم فيه الشعب بالإذلال ، من قبل منظومةٍ سياسيةٍ تتحاصَصُ الأغلال ، لتحكُمَ على الديموقراطية بالزوال ، وتُدخِلُ مبدأ فصل السلطات بالأهوال ، وتجعلُ من الوطن والمواطنين في أسْوَأِ حال …
هكذا بات البلد في الحضيض ، من خلال مرتزقة المنظومة السياسية اللبنانية ، الذين سخَّروا كل طاقاتهم ، وإستخدموا كل الوسائل الشيطانية ، لأجل مصالحهم الخاصة ، ولمنفعة الأزلام والمحاسيب ، ودعم الأنصار والأصهار ، على حساب الخزينة اللبنانية ، التي عجزت بديونٍ تجاوزت المائة مليار دولار ، وقد ترسَّمت على الشعب اللبناني وسُحِبت من مداخيله اليومية ، بشتى أنواع ومواد الإستهلاك ، وعلى جميع الصعد الحياتية ومنها : الكهربائية والطاقة ، والمواد الغذائية والإستشفائية والدوائية …
وقد إشتملت أساليبهم الخبيثة ، كافة التجهيزات والآلات ومواد البناء والمواد الصناعية والزراعية … إلى آخر ما يستهلكه المواطن في لبنان …
يضاف إلى كل ذلك ، ما تحاك المؤآمرات حوله من خلال الهندسة المالية التي تجاوزت إبليس في حبائله وأنصبته ، وقد بات تلميذاً عند هذه المنظومة ، ليستلحق آخر الطرق الحديثة بالنهب والنصب والإحتيال ، حيث باتوا فيها أساتذة العالم …
لذا نجد وفود المحققين الدوليين والأوروبيين يفدون إلى لبنان ليتقصوا الحقائق من سرقة ونهب المال العام والخاص والتبييض ، التي أذهلت الكون ، من كثرة منابعها وتعدد مشاربها أكانت من الوزارات أو المشاريع أو المصارف ، أو من التهريب عبر المرافئ والمعابر الحدودية والبرية والمطار ، وإستثمار الأملاك العامة والبحرية والنهرية…
إن السلطات اللبنانية الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، قد دخلت الصراع الدولي والإقليمي من بابه العريض ، وقد رفعت المتاريس السياسية ( حالياً ) فيما بينها ليكون النواب والوزراء والقضاة في لبنان ، ملهاة هذا الصراع ويتحرك بدمى محلية تستعر فيما بينهم المعارك الوهمية ، وشد الحبال على رقبة الفئآت الشعبية ، وكل منها يلهونها بأزماتٍ وفق حاجاتها وخدماتها في معيشتها وحياتها اليومية ، لتبقى في شغل دائم تتحرى فيها المخرَج والحل لعيالهم ، وبملهاةٍ عن محاسبة المنظومة السياسية الفاسدة
حيث لا زالت المنظومة الفاسدة ، ممعنةً في تقويض السلطات الثلاث المتمركزة فيها بكل جدارة وحقارة ….
رغم كل الفضائح ، وكل الإمعان في تقويض الدولة ، والإفراط والتفريط بأركان مؤسساتها ومصالحها ودوائرها ، والتدخل بكل زاوية من إداراتها وأجهزتها ، لتجعل منها مطيةً لتدعيم مراكز قواها ، أو لتستغلها في تنفيع المحاسيب وجعلها دعامةً من دعائم المتاريس السياسية ومواقع القرار التي يمكن القصف منها ، علىالمواقع الأخرى فتزيد من الإمعان بالتقويض وتغييب الدور الفاعل لكل منها …
هذا ما تم إستخدامه على صعيد الرئاسة الأولى والفراغ بها ، وأيضاً على صعيد الحكومة وتعطيلها بتصريف الأعمال ، وأيضاً تعطيلها ، وخير مثال هو ما يحدث على صعيد القضاء ، ومعارك الصلاحيات (مع وقف التنفيذ) بين مجلس القضاء الأعلى ، والمجلس الدستوري ، والنيابات العامة التنفيذية ، وقضاة التحقيق أكانوا : عدليين أم إستئنافيين قضائيين ….
وكل ذلك ، يجرُّ أسوأ سمعة من الصراعات النفسية بين الأجهزة الأمنية ، التي تلحق بالقضائية ، وباتت مهزلة أمام الرأي العام العالمي وعدم الثقة عند المواطن اللبناني الذي بات في حيرة من أمره في كشف الحقيقة والوصول إلى تشفي غليل أهالي ضحايا إنفجار المرفأ ، أو أهالي الموقوفين الإسلاميين ، أو عائلات المفقودين من جرائم الإغتيال والتفجير ، دون أن تتبين نتائج تحقيقاتهم وملاحقة مجرميها وقد باتت جميعها رهينةً بيد المنظومة السياسية الفاسدة ، التي جعلت من القضاء يتبخر بالفضاء …