الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المدينة المنورة قبل الإسلام / بقلم عبد الهادي محيسن/ الشراع

الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المدينة المنورة قبل الإسلام / بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 24 تشرين أول 2021

لم يخرج المجتمع في يثرب عن نظام المجتمعات الأخرى في الجزيرة العربية ، فقد قام على النظام القبلي … فالقبيلة هي وحدة الحياة الاجتماعية وكان هناك طبقات متفاوتة وتنحصر في ثلاث : الأحرار الصرحاء وهم أبناء القبيلة الأصليون وتجمعهم صلة النسب والدم ، والموالي وهم المنضمين الى قبيلة غير قبيلتهم بالجوار أوالحلف ، ثم العبيد وهم الذين يجلبون عن طريق الحرب أو الشراء .

فالمجتمع اليثربي فيه السادة وفيه العبيد وفيه الفقراء وفيه الأغنياء والهوة سحيقة بين كل طبقة وما يقابلها فبينما يتمتع السادة بكل الحقوق يحرم العبيد من جميع الحقوق .. وكانت قريش تعترف بشرف قبيلتي الأوس والخزرج فكانوا يصاهروهم ويتزوجون منهم ، إلا أنهم يرون لأنفسهم فضلا عليهم وينظرون الى الفلاحة التي يمارسها أهل يثرب نظرة احتقار .

ولا يختلف نظام الحكم في يثرب عنه في مكة فلم يكن لأهل يثرب عند ظهور الإسلام رئيس والظاهر أنه كان للمنافسة الشديدة بين الأوس والخزرج على الزعامة والرئاسة دور في عدم وجود زعامة موحدة متفق عليها بين القبيلتين ، لهذا لم يكن في يثرب حكومة تسيطر على الأوضاع وتنظم العلاقات بين سكانها بل كانت هناك صلات وروابط مع جيرانهم اتُخذت أساسا لتنظيم هذه العلاقات  .

كانت علاقة يثرب بمدن الحجاز قائمة على أساس الاحترام والمنافع المتبادلة وهي على العموم علاقة حسنة وطيبة فمثلا كانت قوافل التجار المكيين تمر بيثرب فتجد الحماية ، كما كانت يثرب ترسل الى مكة لتبتاع ما تحتاجه من البضاعة التي تجلب الى مكة ، أما العلاقات التي أقامتها يثرب مع الدول الخارجية المحيطة فقد فرضتها الظروف ، فبالنسبة الى الفرس والروم كانت العلاقات محدودة ووقتية ومتوقفة على ذهاب تجارها الى هاتين الدولتين .

وكذلك علاقتها بالغساسنة حتمتها ظروف القرابة وحاجة يثرب الى مساعدة أبناء عمومتهم الغساسنة للتغلب على اليهود ، أما علاقتها باليمن فقد أوجبتها القرابة والحنين الىالوطن الأصلي وقدوم تجار اليمن إليها في طريقهم الى الشام ، وقد كان لوجود اليهود في يثرب أثرا في سياستها على الصعيدين الداخلي والخارجي بسبب تنافسهم فيما بيهنم وتحالفاتهم مع أحد الفريقين من الأوس والخزرج ليتعززون بهم .

وفي نفس الوقت تمكن اليهود الحريصين على التمتع بخيرات يثرب والإستئثار بها عن طريق إقامة التحالفات في إيقاد نار الفتنة والحرب الضروس بين الأوس والخزرج ، حيث كان اليهود المتنافسين فيما بينهم يتفقون على أن اجتماع القبيلتين وائتلافهما على زعيم أو رئيس واحد تهديدا لنفوذهم ومصالحهم وانتهاء لفترة وجودهم في المدينة .

تعتبر يثرب منطقة زراعية بامتياز ذات مياه ووديان كثيرة تفيض بها السيول فتروي أراضيها البركانية الخصبة ، وأهم حاصلاتها التمر والعنب والحبوب والبقول وكان أهل يثرب مثل غيرهم تجارا يخرجون الى أسواق الشام كما أن موقع مدينتهم على طريق القوافل جعلها محطة لقاء لهذه القوافل في طريقها الى الشام وعودتها منها ، وكذلك قامت في يثرب بعض الصناعات التي مارس أكثرها اليهود مثل النجارة والحياكة والبناء وصناعة السيوف والسهام وصناعة الأواني المنزلية كما مارس يهود قينقاع صياغة الفضة والذهب ، فكانت بيوتهم تحتوى على الأموال الطائلة والحلي الكثيرة من الذهب والفضة .

لم تكن يثرب على خصبها مكتفية غذائيا فكان أهلها يستوردون بعض المواد الغذائية من الخارج وكانت العملة في المدينة هي العملتين الرومانية والساسانية وكانت على نوعين الدنانير والدراهم وكانت الأكيال المستعملة في التبادل التجاري هي المد والصاع والفرق والوسق .

كان اليهود بطبيعة الحال أكثر غنى من العرب حيث وضعوا أيديهم على المناطق الخصبة التربة الوفيرة الماء وكانوا مرابين وكان العرب بطبيعتهم أهل ضيافة وكرم فكانوا يضطرون الى الاستدانة بالربا والرهن ، وكانوا محافظون على سجاياهم ميالون الى النزعة والتخاصم فألهتهم هذه النزعة عن الانصراف الى العمل وغرس الأشجار كما يفعل اليهود أو الاشتغال بالتجارة كما أهل مكة .

كان لأهل يثرب ثروة من الإبل والبقر والأغنام وكانت لهم مراع مثل الغابة والزغابة يحتطب منها الناس ويرعون إبلهم وماشيتهم وكانت لهم خيل يستخدمونها في الحروب .. كما كان فيها عدة أسواق أهمها سوق قينقاع لبيع الحلي والمصوغات الذهبية ويسيطر عليه اليهود وسوق البزازين(الخياطين) وسوق العطارين يباع فيه المسك والعطور والعنبر والزئبق .

عبد الهادي محيسن …. كاتب وباحث