آفة ومخاطر المخدرات / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

مجلة الشراع 19 آب 2021

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إن الله كان بكم رحيما} سورة النساء.

يُستفاد من هذه الآية الكريمة أن كلَّ ما يؤدّي بالإنسان إلى الهلاك حرامٌ أن يتعاطاه ويؤيد هذا المعنى ما جاء في حديث أبي داود وغيره عن أم المؤمنين أم سَلَمَة قالت: “نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كل مُسكِر ومُفْتِر”. والمفتر هو ما يُحدِثُ في الجسم والعين أثَرًا ضارًّا، وتدخُل في ذلك المخدرات ففي الحديث دليل على تحريم تعاطي المخدرات كالهيرويين والأفيون وما في معنى ذلك مما هو من المخدرات أصلًا لكن اختلفت أسماؤه باختلاف الزمان أو المكان.

ولقد تفشَّت في مجتمعات الناس اليوم لا سيما بين الشباب آفة تعاطي المخدرات وهي بلا شك آفة فتَّاكة تهدم المجتمع وتمزق الأسرة وتخرب البيوت، وإزاء ذلك نقول لكل قائم على شأن من الشؤون العامة كلٌ على قَدرِ مستواه: كونوا على ذُكرٍ لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” رواه البخاري. وبالتالي فعلى كل منا أن يُحسن التصرف فيما هو راع له، وهذا يتطلَّب الاهتمامَ بالرعاية المطلوبة فيمن هم تحت عنايتك ومن ذلك أن تُحصِّن ولدك بالعلم الديني الصافي وأن تنظر في شأنه من يُصافي ومن يُخاصم وأين يروح وأين يجئ، ولا تُهمل البحثَ في الشكاوى التي رفعها إليك فيه الجيران والأصحاب بدل أن تنسبهم إلى الحسد له، وإن رابك منه أمرٌ فحدِّق النظرَ في الحقائق لتنقذه قبل أن يهوي في مستنقع الفساد فتدرك عندئذٍ كم كنت مُقصِّرا. وإذا ما رأيت ولدك يرجع الساعة الثالثة ليلًا وقد احمرت عيناه واسودَّ ما تحتَهُما وذهبت قوَّتُه وزاد كسلُه وثَقُل نومه وقلَّت حركته وهمَّتُه وضعُف بدنه وذاب جسمه أفلا يدعوك هذا إلى التبصُّر والتدقيق في أحواله؟! أم ستبقى تُخدع بكلامه المزخرف حتى تقع الفأس في الرأس فإنك إن أهملت كل هذا فتوقَّع من ولدك ما يسوؤك عادة، وحيث زرعت الإهمال فستحصد الندامة.

فلنتيقَّظ جميعًا

ألا فلنتيقَّظ جميعًا فإن المسؤولية الملقاة على عاتقنا عظيمة جدًا وإن الحالة الاجتماعية والممارسات التي نراها من كثيرٍ من الناس تستدعي العمل على قمع الأفكار الهدَّامة التي ما زال يغرسها الفاسدون في عقول الناشئة حيث أمكن فيحرفونهم نحو تعاطي المخدرات والإتجار بها تحت ذرائع ينخدع بها الجهلاء. ومن هنا فإننا نتوجه بنصيحة عامة لا سيما إلى الشباب المؤمن فنقول: إن المعوَّل عليكم كبيرٌ جدًا لتُخرجوا هذه السموم من المجالس والبيوت والمدارس والجامعات والزوايا ولتعملوا على محاربة هذه الآفة. فإن قال قائل: أنا أتعاطى هذه المخدرات لأنها تُنشطني وتعطيني قوة في التركيز أو أتجر بها لكسب الأرباح الطائلة وأنا محتاج للمال” فقل له: هذا ما تُسَوّلُهُ لك نفسُك ويزيّنُهُ لك شيطانك لتسلك هذا الطريق الهدَّام فاستيقظ ودع المخدرات فإنك تقتل نفسك بتعاطيها وتقتل غيرك بالإتجار بها، إنك تطيع بذلك الشيطان وتعصي الرحمن، إنك تطعن في قلب أبيك وأمك، فأبوك لم يرسلك إلى الجامعة إلا لتتعلم وتنجح في اختصاصك لا لتتعاطى المخدرات أو تتجر بها، وأمك لم تسهر الليالي الطويلة تَرعاك حتى إذا كَبِرْتَ كانت هذه عاقبتَك.

الأمر يبدأ بحبة أو شربة أو إبرة قد يعطيكها صاحبك وأنت لا تدري ما فيها فلا تأخذ شيئًا من هذه الأشياء المجهولة بالنسبة لك، ولا تغترَّ بالمال تجنيه في مقابل إيصال بعض المخدرات إلى بعض الناس، ولا يخدعنَّك قول قائل: أنت مكروب مهموم أو فقيرٌ محتاج فخذ بعض المخدرات أو اتجر بها تجني الأموال وتذهب مشاكلك، فإن هذه المخدرات ليست هي الحل لمشاكلك بل هي بداية لمشاكلَ ما عهدتـَها من قبل، وإن تعلقت بها قد تسرق مال أبيك وقد تبيع متاعَ أهلِك أو ربما تقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق لتسلُب صاحبك ماله وربما فعلت كثيرًا  مما كنت تحذره وتُحذّرُ منه قبل أن تبتلى بهذه الآفة. وإن حصل وجنيت من طريقها أموالا فسيكون ذلك وبالًا عليك يوم القيامة لأنه كسبٌ مُحرَّم لا بركة فيه. فهل هذا ما تريده لنفسك؟!

انصر أخاك

لا شك أن كل عاقلٍ يربأ بنفسه عن مثل هذا فاحذر إذًا أن تنجرَّ لهذه الآفة وكن شاكرًا لله على نعمه الكثيرة فإن كل نعمة أنت فيها هي من الله تعالى فاتق الله واعلم أن شكر الله على نعمه أن لا تعصيَ اللهَ بنعمه. إلى متى سنظل نسمع بشاب مات بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات، وإلى متى سنظل نسمع بشاب قضى في حادث سيارة لأنه كان يقود السيارة وهو تحت تأثير المخدِّرات، وإلى متى سيسكت الشاب عن صاحبه المتعاطي للمخدرات ولا يحذره ولا ينصحه. لا شك أن للأهل دورًا وللمدرسة دورًا وللجامعة دورًا وأنتم أيها الشباب لكم دوركم بالامتناع عن هذه المهلكات ولكم دوركم في نصح إخوانكم وأصدقائكم وأقربائكم وبيان فسادها وحُرمَتِهَا في دين الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انصرُ أخاك ظالِمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسول الله هذا ننصُرهُ مظلومًا فكيف ننصُرُه ظالما. قال: تأخُذُ فوق يَدَيهِ” رواه البخاري. معناه تحجزه عن الظلم بنوعيه الظلم الذي لا يتعدى ضرره إلى الغير كتعاطي المخدرات والظلم الذي يتعدَّى ضرره إلى الغير كقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق. وقد حذَّرنا الله تعالى في كتابه الكريم من خُطُوات الشيطان وأمرنا بعداوته فالحذر الحذر من سلوك طريقه والعمل بمقتضى وسوسته من ارتكاب الإثم والفجور والسير في طريق المخدرات تحت دعاوى واهية، قال الله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} سورة البقرة. وقال أيضًا: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} سورة النساء. وقال أيضا: {وقال الشيطان لمَّا قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتُكُم فأخلفتُكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتُكم فاستجبتم لي فلا تلُومُوني ولومُوا أنفسَكُم} سورة إبراهيم. والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع