أنزِلوا الناس منازِلَهم

أنزِلوا الناس منازِلَهم l المحامي عبدالله الحموي

لمَن يظن بأن منطقة الأسواق القديمة في “طرابلس” تتألف من محلات تجارية فحسب نُذَكِرُه بان أصل التسمية هو “المدينة القديمة”. وكم شكلت هذه المحلة خزاناً بشرياً لأحزاب ما لبث أن عرى طروحاتها السلوك ليحل محل محل الأخيرة ,من ثم, سياسيون لم يقلوا فساداً عن سلطة وأجهزة “أمنية” نجحت من خلال تجنيد بعض أشقياء المحلة تارة والتغرير بالمتحمسين من أبنائها طوراً في رسم صورة مشوهة لكامل المدينة أظهرتها على أنها “بؤرة إرهاب”.
ضمن هذا الإطار تكتسب زيارة رئيس حزب الكتاب لهذه المحلة بالذات رمزيتها وأهميتها. فمن ناحية لم يختار النائب الشاب المدينة الجديدة مكاناً لزيارته بل فضل الدخول عبر بوابتها التاريخية: “المدينة القديمة” متجاهلا ما زرعه اعلام عميل للسلطة من تهويل وتضخيم جعل كل لبناني تقريباً من خارج “طرابلس” يتحسب لكل خطوة قبل دخوله الى هذه المدينة الآمنة. لهذا فاقت فرحة ساكني “محلتي “المهاترة” و ” النُوري” دهشتهم حين رأوا ابن “بكفيا” يتجول في “الأسواق التجارية” مصطحباً زوجته وابنته الصغيرة دون حراسة أو مرافقة أمنية لتنهال عبارات الثناء والترحيب على بادرة أثبتت أولاً بأن ابن “طرابلس” له في “بكفيا” ما لإبن “بكفيا” في “طرابلس” فمحت صورة مشوهة لطرابلس دأب الإعلام على شيطنتها بتكليف من سياسيين لا يقلون عنه فساداً.
لو سبق هذه الزيارة تحضيرات لتكالبت أجهزة أمنية في الحيلولة دونها خدمة لسياسيي المدينة ومن يتبعون. لهذا فإن خيار زيارة المدينة كمواطن عادي آتى أُكُلَه فلقي الكثير من الثناء التقدير حيث دخل النائب الشاب مُرَحَباً به وجال الأزقة آمناً مطمئِناً قبل أن يخرج معززاً مكرماً بعد توجيه التحية لتاريخ “طرابلس” ممثلاً بقلعتها التاريخية مروراً بشارع “الكنائس” و”المسجد المنصوري الكبير” ناهيك عن أزِقَةٍ لم يعد سياسيو المدينة أنفسهم يجرؤون على دخولها منذ ما قبل ثورة 17 تشرين.
مهما تعددت الآراء واختلفت حول خلفية هذه الزيارة وأهدافها فلا يملك أبناء “طرابلس” الا الاعجاب بخطوة كان كان أن تحدث فتنة لو أن عميلاً تعرض للضيف بفعلٍ أو حتى بكلمة أقله لجهة اختلاف السياسة لكن الزائر الكريم كان يعلم بأن الخفافيش لا تعمل إلا في الظلام فاختار وضح النهار توقيتاً لجولته ووسط أبناء مدينة كان واثقاً من أصالة زُرِعَت في نفوسهم ونخوة اقله من خلال تمسكهم بقاعدة : ” أنزلوا الناس منازلهم ” لهذا دخل “المدينة القديمة” مطمئِناً تحفه العفوية ومحملاً بجرأة مواقف احتُسِبت له وسيرة وطنية احترمها الخصم قبل الحليف. من هنا نجحت الجولة وبانت أصالة الفيحاء للقاصي قبل الداني بما لا يترك لاعلام مأجور ثغرة يحَوِرُ بها الحقائق.