قصتي مع رفيق لبنان

قصتي مع رفيق لبنان

في ٢٩/٦/١٩٩٢ كنت برتبة ملازم أول، أثناء تدريب اغرار الجيش انفجرت رمانة يدوية أدت ‏إلى بتر كف يدي اليمنى واستشهاد عسكري وإصابة آخرين بجروح مختلفة. عادني كثر ومنهم ‏قائد الجيش في حينه أميل لحود الذي تعهد بتأمين علاجي في الخارج لعدم توفر الإمكانية في ‏لبنان‎.‎
بعد الإبلال بستة أشهر راجعت القائد المذكور فبادرني بعدم توفر الأموال اللازمة للعلاج وأن ‏أصبر بضعة أشهر أخرى كون الكلفة عالية (150 ألف $). بنهاية ١٩٩٣ أبلغت بأن العلاج في ‏الخارج لم يعد واردا‎.‎
إلى الآن لست أدري كيف عرف الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالموضوع، حيث أرسل بطلبي ‏وزير الدفاع آنئذ محسن دلول لإبلاغي برغبة دولة الرئيس برؤيتي. وصلت إلى القصر الحكومي ‏حيث تلقفني رفيق وزميل الدورة اللواء الشهيد وسام الحسن واصطحبني إليه‎. ‎
إن أنسى لا أنسى كيف ادخلت متقدما” على نواب ووزراء كانوا ينتظرون دورهم للدخول قبلي. ‏وبين يديه، لا أبالغ، شعرت بحنان وعطف بالغ كأنني أحد أولاده. وهنا تحدثنا باقتضاب عن ‏ظروف الحادث والتلكؤ الغريب في عرقلة سفري للعلاج طوال ١٨ شهر وأذكر كيف تغيرت ‏سحنته وابتأس لذلك وأخذ يهديء خاطري بعدها مثنيا على تضحيتي قائلا بالحرف: أنا رئيس ‏وزراء لبنان ولك حق على البلد وبدك تأخذوا، وأعتذر لك بالنيابة عن الدولة على التقصير ‏تجاهك، وتكفل بتغطية كل تكاليف السفر والإقامة والعلاج مع مرافق أختاره على همتي، وأكثر ‏من ذلك فقد استبق رؤيته لي بالحجز في مؤسسة مختصة في شيكاغو، وزودني بكل تفاصيل ‏المهمة من ألفها إلى يائها لمدة ٤ شهور. وقبل انصرافي شدد على رؤيتي بعد العودة‎.‎
المهم انني اصطحبت زوجتي بعد الحصول على الجوازات والتأشيرة إلى‎ USA ‎قامت بها قيادة ‏الجيش. وسافرت بحوزتي شيك بالأموال من يد الرئيس الحريري وأكملت مهمة العلاج، وكانت ‏المفاجأة بعدها أن الكلفة جاءت أدنى مما كان مقدرا بحوالي النصف‎.‎
فور عودتي تقدمت من الرئيس الحريري، وكم كان في غاية الإشراق والسعادة والبهاء لدى رؤية ‏الطرف الإلكتروني المتحرك وأخذ يتحسسه ويداعبه كاللعبة. هنا قدمت له بالغ شكري وتقديري، ‏وأفدته أنه بعد مصاريف السكن والمعيشة والانتقال قد تبقى أكثر من 20 ألف $، فقال فورا هي ‏نفقاتك وحقك علينا رافضا استلامها ومغيرا وجهة الحديث، وجعلني أحس أنني أنا المعطي وليس ‏الآخذ‎.‎
إنها شهادة للتاريخ ارويها للمرة الأولى بعد تقاعدي، ذكرى شرف ووفاء في يوم استشهاده، مع ‏أن الوزير دلول قد رواها متلفزة” سابقا” في 2005 وقت إغتيال كبير لبنان….رحمك الله يا من ‏أنت الشهيد الحق وأشرف الناس‎.‎
وللمجرمين أقول: عرفناكم من اليوم الأول ولا حاجة بنا لمحكمة دولية تبين لنا، لقد كشفتم عن ‏أنفسكم، ولن ننسى، فانتظروا يوم الحساب‎. ‎
‏”‏‎ ‎يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا‎ ‎‏. ‏

‎ ‎العميد الركن المتقاعد يعرب صخر