ترامب .. “رجل العقارات”

لبنان عربي – الدكتور ماجد درويش

هكذا وصفه Alvin Tofller قبيل وفاته عام 2016 يوم كانت المعركة حامية بين دونالد ترامب وبين هيلاري كلينتون على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصفها توفلر بأنها باتت معركة دائمة بين «سَيَّافَيْ حزبين سياسيين»، وأن الأمريكيين باتوا في حالة انزعاج كبيرة، يَعَضُّهُم الإرهاق بأنيابه، ويتضايقون من الصحافة والسياسيين معًا، بحيث إنهم لم يعودوا مهتمين بمن سوف يحكم أمريكا.
ورأى توفلر يومها (وهو من أبرز الكتاب والمفكرين في الولايات المتحدة الأميركية) أن الصراع دائر بين مرشحين: “جمهوري لا دالة للعمل السياسي أو الحنكة الدبلوماسية عليه، فترامب ليس أكثر من رجل عقارات، وهيلاري إحدى أشهر مئة محام في الداخل الأميركي، لكن علامات الاستفهام القضائية تحوم حولها، سياسيًا وماليًا وإجرائيًا، الأمر الذي يقدم لنا رؤية استشرافية عن مزاجية الناخب الأميركي، وكيف أنه بات غير مكترث بالمشهد السياسي الأميركي الداخلي، وربما تحدث المفاجأة التي لا ينتظرها أحد، ونشهد ترامب سيداً للبيت الأبيض”.
هذا ما قاله “توفلر” قبيل وفاته في 27 حزيران 2016، وبعدها بخمسة أشهر، وبالتحديد في شهر تشرين الثاني اختار الناخب الأمريكي ترامب رئيسا.
هذه الرؤية من “توفلر” تذكرتها وأنا أنصت اليوم إلى ترمب في مؤتمر صحفي يشير فيه إلى عقله عندما سئل متى سيأخذ قرار إغلاق البلاد محاربة لفيروس كورونا، ليقول إنه هو الذي يحدد ويقدر متى تغلق البلاد، وانها ينبغي أن تبقى مفتوحة.
هذا جوابه في وقت تسجل امريكا فيه أعلى الوفيات في العالم.. وبالتالي بات الشعب الأمريكي بأكمله رهينة لمزاجيته ومصالحه الاقتصادية.
موقف ذكرني بموقف فرعون كيف استخف قومه قائلا (ما أريكم إلا ما أرى وما اهديكم إلا سبيل الرشاد).
حقا إنه (تاجر عقارات)، فمصالحه الاقتصادية يبدو انها مقدمة على صحة قومه ومصالحهم، وبالتالي كان “توفلر” مصيبا عندما قال: “إن قائمة المشكلات التي تجابه مجتمعنا لا نهاية لها، ونحن نعاني من التفسخ الأخلاقي لحضارة صناعية شبه ميتة”.
نعم .. إن المجتمع الغربي على العموم، والأميريكي على الخصوص يعاني من هذا الجفاف في العلاقات الإنسانية، وفي تقديم الخدمات الاجتماعية التي تجعل الإنسان يشعر حقا بوجوده، وهو ما تحتاجه هذه المجتمعات، وهو أيضا ما قاله “توفلر” في تلك اللحظة قبيل وفاته، قال:
“يحتاج المجتمع إلى أفراد يهتمون ويعتنون بالمسنين وكبار السن وإلى أفـراد يكونون رحماء فيما بينهم وصادقين مع بعضهم.، يحتاج المجتمع إلى أفراد يعملون في المستشفيات ويحتاج المجتمع إلى كل أنواع المهارات والمعارف التي لا تكتفي بكونها مهارات فنية لا غير، بل أن يكون حاملو هذه المهارات والفنيات يتمتعون بعواطف ووجدان، لا تستطيع الحفاظ على المجتمع بالأوراق والكمبيوتر وحدهما”.
فهل نشهد هذا التحول بعد هذه الجائحة؟