سفر الملكة ..سفارة خارج الزمن

سفر الملكة ..سفارة خارج الزمن

سفرك سيدتي جعلني أبحر في فلسفة الموت والحياة وثقافة مقاربتها حديث بين “العقل والجنون”، أدركت يامولاتي انك خارج التوقيت، خارج الزمن الذي يقيدنا بسلاسل الشروق والغروب ومنازل القمر، والوقت هو من يصنع الهرم والمرض والموت ومن تفلّت منه فهو في أمان غير معروف كنهه ومعالمه ومجهول التفاصيل إلاّ أنها حقاً أنقى وأبقى وأرقى من حياة الضنك والكدّ والتعب.

على هذه القاعدة اجد راحتي في إحتواء سفرك لأنّك اليوم عصيّة على الوصب والغضب رغم أني أصرخ لفراق جارح ربما من مسافر إنتظر محطة سفره طويلاً ، هي قناعة الإيمان والتسليم والحكمة. امّا حديث القلب والعاطفة فهي تسبح في خاصرة بركان جامح من حمم الشوق والحنين والإقتراب من هوس المخاطبة ورضى غريب بقبول صدى الجواب.

كيف لا؟ وانت التوأم والأم والأمان وبك اختصرت صداقاتي وعندك تنتهي حكاياتي ومعك يتقلص حدود عالمي.

ماذا عن وحشتي وتساؤلي؟ كيف يطير العصفور بدون فضاء ولا جناحين؟ كيف يرى المكفوف جمال القمر؟ كيف تمطر الغمامة وهي ارسلت حملها دموعاً حارقة، وكيف تهب العاصفة بدون رمال؟

..كيف نجني عسلاً ونحصد قمحاً ونقطف رطباً ؟

..ما زلت سيدتي أسيرة الوقت، يجلدني الليل بتردد ذكرياتي شريطاً غير مشوش ويتعبني النهار بشموع نهاره الخافتة المملة .

..حاسة السمع عندي على جهوزية فائقة لترد صدى دقات قلبي تهتف بإسمك .

حاسة النظر على ملاءمة للإبحار في ملامحك المنقوشة على حدقتي، وحواس باقية لتلمس عطرك وعبيرك ونغم خطواتك الأنيقة، ياملء حياتي كيف اتعايش بسلام مع الفراغ المخيف ..؟

سفرك من خمس سنوات وربما من خمسين والف واكثر تتغافى عني عدوى النسيان وتحيا الذاكرة المنتعشة لك وبك لانك كلها، ومع هذا أتحايل على الوقت اهزأ بأحابيل ساعاته حتى تتسارع الثواني البطيئة ..

…سيدتي ،أعلم علم اليقين انّ صلة ما لم تنقطع بيني وبينك، صلة لا أملك لها توصيفاً ولا بياناً ، هي سرّ لا احاول البوح به، وأحجية لا اتوق لحل معضلتها ..

..أعترف بسفرك ..

..أعترف بحضورك ..

وما بين الإعترافين هو ذلك الوقت حتى أسافر وحتى أحظى بحضورك ..لا الرفض ما أوصم به ، بل هو الإيمان أنك أقرب إليّ من سريان الدم في عروقي .

..يا ملكتي طوبى لك نعيم الإستقرار وأنا على محجة الإستمرار.

أتوق لتوقف الزمن وإن إستمر فلعملِ كان حلمك ، وإن سرى الوهن بي اعلم انني على مقربة من الإنتصار على “الوقت” وحتى نلتقي “على سررِ متقابلين ”

..هذا وعد رب العالمين ،

أصدق القائلين” حبك بين العقل والجنون”..

ثقافة عشق الأم ..

إبنتك فلك مصطفى الرافعي