مقام النبوة العظيم/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 2 شباط 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم} سورة آل عمران.

قال السمعاني في “تفسيره”: قال ابن عبَّاس وأكثر المفسرين الرحمة بمعنى النبوة هاهنا”.

إن النبوة مقامٌ عظيم وشرفٌ جليل آتاه الله لمن شاء من البشر ولفظ النبوة مشتقٌ من النبأ أي الخبر لأن النبوة إخبارٌ عن الله تعالى فالنبي يُخبر عن الله بما يُوحى إليه،أو هو مُشتقٌ من النَّبوة وهي الرفعة أي علو الدرجة وعلى هذا يكون المعنى أنه سُمي نبيًّا لعلو شأنه ورفعة قدره ومقامه الشريف، والنبوة جائزة عقلًا ليست مستحيلة وليست واجبةً على الله، فالله لا يجب عليه شىءٌ وليس في العقل ما يمنع تفضُّل الله بالنبوة على من شاء من خلقه فهي هبةٌ ربَّانيةٌ يهبها الله لمن شاء ويختص بها من يريد أي فلا تُدرك النبوة بالجِدِّ والتعب ولا تُنال بكثرة العبادة والاجتهاد. قال اللقَّاني في “الجوهرة”:

ولم تكن نبوةٌ مكتسبة                         ولو رقى في الخير أعلى عقبة

بل ذاك فضل الله يؤتيه لمن                   يشاء جلَّ الله واهبُ المِنَن

ولا تكون النبوة إلا لمن اختاره الله لها ممن هم أهلٌ لحملها لأنها حملٌ شديدٌ وأمانة عظيمة لا يقدر على تحمُّلها كل أحد، وشاهد ذلك من كتاب الله قوله تعالى:{ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} سورة الشرح. أي ضمنَّا لك أن تكون بحالة العصمة وهي الحفظ أي كسائر الأنبياء عليهم السلام لأن الله عصمهم أي حفظهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة أو النظر إلى عورات النساء قبل النبوة وبعدها. وقوله تعالى”أنقض ظهرك“ أي أثقل ظهرك والمعنى أنه لو كان حملًا يُحمل لسُمع من تحته نقيض الظهر أي صوت الظهر إذا حُمل عليه شىءٌ ثقيلٌ، والمراد تخفيف أعباء النبوة التي يُثقل القيام بها الظهر فسهَّل الله له ذلك كما سهَّل الله ذلك لجميع الأنبياء فأدَّوا الرسالة وبلَّغوا الأمانة على أكمل وجهٍ.وقوله تعالى {إنَّا سنُلقي عليك قولًا ثقيلًا} سورة المزَّمل قال أبو حيَّان في “البحر المحيط”: “قولًا ثقيلًا أي القرآن وثِقلُهُ بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقَّة كالجهاد ومداومة الأعمال الصَّالحة. وقال أبو العالية والقرطبي: ثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده. وقيل: ثقله ما كان يحلُّ بجسمه صلى الله عليه وسلم حال تلقِّيه الوحي حتى كانت ناقته تبرُك به في ذلك الوقت. وقيل: كلامٌ له وزنُ ورجَحان ليس بالسفساف. وقال ابن عبَّاس: كلامًا عظيمًا. وقيل: ثقيلٌ في الميزان يوم القيامة وهو إشارةٌ إلى العمل به. وقيل: كناية عن بقائه على وجه الدهر لأن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه“. وقد كان كل الأنبياء عليهم السلام في الطبقة العليا من العزم والحزم والقوة والصبر.

لا نبوة في النساء

ونظرًا لأن الرجال أكمل في هذه الصفات على وجه الإجمال جعل الله النبوة في الرجال ولم يجعلها في الإناث قال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نُوحي إليهم} سورة النحل. قال الطبري في “تفسيره”: “يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم “وما أرسلنا من قبلك“ يا محمد إلى أمةٍ من الأمم للدعاء إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا ونهينا “إلا رجالًا“ من بني آدم نُوحي إليهم وحينا لا ملائكة يقول: فلم نرسل إلى قومك إلا مثل الذي كنا نُرسل إلى من قبلهم من الأمم من جنسهم وعلى منهاجهم”.  

ويصح القول: إن النبوة تكليفٌ كبير لا تتحمَّله طبيعة المرأة لأنه يحتاج إلى مجاهدةٍ وصبرٍ، وقد ابتُلي كثيرٌ من المرسلين ببلاءٍ شديدٍ وكانوا في محنةٍ قاسيةٍ مع أقوامهم وقد قال تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم:{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرُّسل} سورة الأحقاف. قال ابن الجوزي في “زاد المسير”: “أي ذوو الحزم والصبر”.

وما يقوله بعضهم من أن النبوة قد تكون في النساء مستدلًا بقوله تعالى:{وأوحيناإلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني} سورة القَصص فلا يصح وهو استدلالٌ في غير محله لأن الوحي هنا ليس بإنزال مَلَكٍ، قال أبو حيَّان في “البحر المحيط”: “إيحاء الله إلى أم موسى إلهامٌ وقذفٌ في القلب قاله ابن عبَّاسٍ وقتادة”.

قلتُ: ويؤيد تفسير “وأوحينا“ هنا بالإلهام قولُه تعالى في شأن النحل:{وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون} قال السمعاني في “تفسيره”: “وأوحى ربك أي ألهم ربك” ولكلمة أوحى في لغة العرب معانٍ عديدة لسنا بصدد ذكرها الآن. وحيث عُلم هذا دلَّ على أنه لا نبوة في النساء ومن ذهب إلى القول بنبوة مريم عليها السلام فقوله شاذٌّ لا يُعتدُّ به، بل قد نقل إمام الحرمين الجويني الإجماع على أن مريم ليست نبية ذكر ذلك النووي في “الأذكار” وجاء في “الفتح” للحافظ ابن حجر عن الإمام الحسن البصري أنه قال:”ليس في النساء نبية ولا في الجن”. قلتُ: ولكن مؤمني الجن تبعٌ لأنبياء الإنس.

ثم إن النبوة لا تورث كما يُورث المال وليس كل أولاد الأنبياء أنبياء بل قد كان أحد أبناء سيدنا نوحٍ عليه السلام كافرًا واسمه يام وقيل: كنعان. ولا تُعطى النبوة لكافرٍ وإنما تُعطى للمؤمن الذي يصطفيه الله ومقام النبوة أعظم شأنًا من الجاه والسلطان ولا يُقاس بكثرة الأموال والأرزاق، قال تعالى:{الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صَغارٌ عند الله وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون} سورة الأنعام. قال ابن الجوزي في “زاد المسير”: “سبب نزولها أن أبا جهل قال زاحمتنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفَرَسي رِهان (يريد تساوينا) قالوا منا نبي والله لا نؤمن به ولا نتَّبعه أو يأتينا وحيٌ كما يأتيه فنزلت“.وقوله تعالى “الصَّغار” الذل والهوان وفي الآية دليلٌ على أن مقام النبوة ليس مربوطًا بكثرة المال والرزق ولا باختيار الناس ورغباتهم بل الله أعلمٌ بمن كان أهلًا للنبوة والرسالة وبمن لا يصلح لها فاصطفى من شاء ولا يُسأل عمَّا يفعل.

والحمد لله أولًا وآخرًا.  

مجلة الشراع