الطبابة بالفريش دولار: المقابر بانتظار الفقراء

الحلّ الوحيد المتاح للحصول على المستلزمات الطبيّة بعد انقطاعها، هو تأمين الدولار الطازج أوّلاً، وتأمين المواد المطلوبة من مصدر خارجي ثانياً، أو على الأقل إيجاد وسيط محلّي قادر على تأمين هذه المواد بالدولار النقدي. هذا هو حال القطاع الصحي، الذي يبدو أنّه يتّجه إلى أن يكون خدمة من خدمات الرفاه المتوافرة لمن يملك الدولار أو القدرة الماليّة لشرائها، فيما يخشى الأطباء أن نبدأ قريباً بسماع أخبار ضحايا “أزمة الدواء والمستلزمات الطبيّة”. باختصار، لم يُعلَن رفع الدعم عن المستلزمات الطبيّة رسمياً بعد، لكن من الناحية العمليّة جُفِّف السوق من هذه المواد، وأحيل الطلب عليها إلى سوق سوداء مرعبة، فيكون الدعم قد رُفِع فعلياً، ولكن بشكل فوضوي ينذر بأزمة صحية كبيرة.

تقول الشركات المستوردة إنّ “أزمتها بدأت بتقنين الاعتمادات التي يوافق مصرف لبنان على فتحها لها، لاستيراد المستلزمات الطبية والدواء وفقاً لسعر الصرف المدعوم”. لكنّ هذه المسألة لم تكن سوى البداية فقط، إذ سرعان ما بدأت الشركات الأجنبيّة تتّخذ قرارات بوقف التعامل مؤقتاً مع الشركات اللبنانيّة، لعدم ثقتها بقدرة الشركات اللبنانيّة على سداد قيمة الاعتمادات أو الطلبيّات، فتوقّف الكثير من سلاسل التوريد التي كانت تغذّي سابقاً السوق المحلي بهذه المواد. وتدريجيّاً بدأ شحّ المستلزمات الطبيّة يظهر في مخازن المستشفيات والعديد من الشركات المورّدة، علماً أن إعادة ملء المخزون تحتاج إلى فترة تراوح ما بين شهر وشهرين من تاريخ الطلبيّة حتى لو حُلَّت الأزمة اليوم.

تبدأ المواد المنقطعة في المستشفيات اليوم بأكياس المصل والبنج، وتصل إلى “أفلام السكانر” المستخدمة لإجراء الصور الشعاعيّة، وتمرّ بأبسط حاجات الأطباء من المواد المستعملة في علاج حروق الجلد والإبر المستخدمة لرصد حركة الدم في صور القلب. وطال الشحّ أيضاً أدوية البانادول والأسبيرين ومسيّل الدم وغيرها من الأدوية التي يجب أن تكون في أيّ مستشفى. أمّا مختبرات المستشفيات التي تُعنى بإجراء تحاليل الدم، فتعاني نقصاً فادحاً في جميع مستلزماتها، فكانت النتيجة تعطّل اختباراتها بشكل كبير. ولذلك بدأت المستشفيات

بإرجاء الغالبيّة الساحقة من الجراحات إلى أجل غير مسمّى، بما فيها تلك الضروريّة التي لا تصنّف ضمن حالات الطوارئ.

لكن ما العمل في الحالات الطارئة حيث يمكن أن تكون حياة المرضى مهدّدة؟ أو على الأقلّ، يمكن أن يتسبّب عدم إجراء تدخّل جراحي مستعجل بعاهات مستدامة كحال بعض أنواع كسور العظم؟

الحلّ واضح: أولاً، تأمين الدولار النقدي الطازج أو ما يوازيه بالعملة المحليّة، مع العلم أنّ هذه الكلفة لا يغطّيها الضمان الاجتماعي ولا الغالبية الساحقة من شركات التأمين، بل تُعدّ فروقات يدفع ثمنها المريض من اللحم الحيّ. ثانياً، ينبغي تأمين المستلزمات بالمفرّق من الخارج، في حال عدم توافرها محلياً، أو الاعتماد على بعض “الوسطاء” المحليين أو الشركات المورّدة لتأمين هذه المواد بعد تقاضي الثمن بالدولار النقدي. لقد بات الوسطاء والشركات، الذين يبيعون بالدولار النقدي، محوّلين القطاع إلى ما يشبه السوق السوداء، ظاهرةً يسلّم الجميع بوجودها ويتعامل معها، لا بل أصبحوا المصدر شبه الوحيد المتاح لتأمين المستلزمات الطبيّة من دون الاضطرار إلى البحث عنها في الخارج.

المصدر أساس ميديا