أُمّي… ست الحبايب!…بقلم سعادة الدكتور حسين يتيم ( نائب بيروت سابقا)

أُمّي… ست الحبايب!…

من أحضانها الدَّافِئَة نتعلَّم الحنان، ومن قلبها النابِض نتربى على الحُبِّ، ومن سلوكها الفاضِل ننشأ على القِيَم. لقد وَهَبَتْ عُمْرَها لزوجها شريكِ حياتها في الكفاح، ورهَنَتْ حياتها لِمَنْ وَلَدَتْهُم بالعَناء، فهل من بدل أقدّمه لأُمّي إلاَّ أنْ أُعطيها مِنْ ثمار ما زَرَعَتْ؟!.. وهو نزرٌ قليل مقابلَ نَبْعٍ دافق. وإلاَّ أن أكونَ باراً بها، وفيًّا معها، ومعترفاً بفضلها، ومديناً لها بالحياة. فلقد آمنتُ أنَّ نجاحي كلَّه موصولٌ بروحها، في دراستي وأعمالي وتكوين أفكاري، وهذا ما وجبَ أن تقومَ عليه تربيةُ أولادي وأحفادي وأخلافي. فهل من هنا تبدأ الحياة الفاضلة؟!…
… تسعةُ أشهرٍ عَبَثْتُ في أحشائها، أمتصُّ غِذائي من دمِها، وأبني صَحتي على آلامِها، وأُوهَبُ الحياةَ من عسير مَخاضِها. وكان صَدْرُها مَسْرحاً لطفولتي، وعيناها راعيتان لشبابي، وقلبُها نابِضٌ مع رجولتي. فإذا مَرِضْتُ عوفيتُ من راحَتَيْها، وإذا كَبَوْتُ نَهَضْتُ بدعائِها، وإذا أحاطتني الهموم، استغثتُ باسمها، فتنزاح الهموم. هي ملاذي في الشدائد، وهي بيت قصيدي في أناشيدي، وهي أولى معلماتي، وطليعةُ رفاقي، وباكورةُ الألفباء في أبجديَّتي.
“أمِّي” مدرستي وجامعتي ومُرشدي ومَثلي الأَعلى في حياتي!…
… أيُّها الأبناء والبنات…
الأمومة شرط الوجود، وهي الحب بلا حدود!…
قبّلوا أيدي “الأمَّهات” كل يوم، كي لا تفوتكم فرصة الحياة عن التعبير!. “الأُم” ملاكُ الله على الأرض، تعملُ بلا كَلَلْ، وتُعطي بلا بَدَلْ، وتتعبُ بلا مَلَلْ. فقبِّلوا أيدي “الأمَّهات” كثيراً كثيراً، ولا تملوا،… ومن الرأس حتى القدم. وتذكَّروا ولا تنسوا أن “الأمَّهاتِ والآباء” هم مَنْ أَوْلاهُمُ الخالقُ صِناعةَ الإنسانِ وبناءَ “الأُمم”. فليسَ أكرمَ من البِّر بالوالدين، ولا أسوأَ من العقوقِ بهما، ولا أكرهَ من جحودِ حقوقها؟!. فإذا كانت الجنَّةُ مضمونةً بين أيدي الآباء، فإنَّها لن تَمُرَّ إلاَّ تَحْتَ أقدامِ الأمَّهات…
… لقد أوصى الله بالوالدين منذ القرون الأولى، فورد في “القرآن الكريم” بذلك، أياتٌ بيِّنات، ومنها قوله تعالى: ﴿…وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..﴾، ثمَّ ﴿…فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾. لذلك نقول: أَحْسِنوا تربية بناتكم بقيمِ العِلْمِ والفضيلة، كي يُصْبِحْنَ أُمَّهاتٍ صالحات لبناء مجتمعٍ صالح….
… أيُّها النَّاس…
إنَّ “الأمَّة” لا تَصْلُحُ إلاَّ بصلاح “الأم”. ولعلَّنا في هذا الزَّمن الرديء، أكثرَ حاجةً “للأم الواعية”، لمشاركة الأب في مواجهة الكارهات والعاديات. وقديماً قيل: “وَجْهُ أمِّي وَجْهُ أُمَّتي”. وقال الشاعر حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إذا أَعْدَدْتَها
أَعْدَدْتَ شَعْباً طَيِّبَ الأَعْراقِ!…

الدكتور حسين يتيم
بيروت في 21/03/2021