الغذاء لا الدواء I المحامي عبدالله الحموي.

 

منذ نعومة أظفاري وأنا أنفر من منظر علب الأدوية بل أن رائحة الأخيرة كانت تثير في نفسي الغثيان. لست ملما لا في علم الصيدلة ولا في علم الأعشاب. لكن غالباً ما يتبادر الى ذهني سؤال بسيط ومفاده إن كانت العقاقير والأدوية تُستَخرَج من نبات الأرض فلِمَ لا نهرع الى الأصل حين المرض؟
أكثر من اسبوعين وأنا أخوض هذا التحدي مع مرض لا يفتأ يحرضني لابتلاع حبة أو جرعة دواء. يواجهه في المقابل يقين عندي بأن الأدوية إن نفعت في ميدان ضرت في آخر وأن دورها لا يجب أن يتعدى عامل الاسناد في الشفاء حيث يتولى الجسد ،بما وهبه الله من منعة ومناعة ، المهمة الرئيسية.
يفحصني الطبيب ثم يخرج ورقة “الروشتة” ليملأها بما يلزم وما لا يلزم من أدوية. لا أريد أن أتهم الأطباء بأنهم تحولوا الى وكلاء شركات أدوية ولكن ما رأيته وأراه بأم العين بأن غالبية هؤلاء يتجرؤون في وصف أدوية لا يتحملها بدن إنسان. أتمعن في الروشتة وإذ هالني عدد العقاقير أسأل الطبيب: ” عذراً دكتور , هل تحتاج حالتي كل هذه الأدوية ؟ كيف تتحمل معدة إنسان هذا العدد ” ؟ يجيب الطبيب ببرودة أعصاب: ” لا تقلق , يوجد بينها دواء لحماية المعدة”
كلام لم يكن مطمئناً على الاطلاق ولأنني متهم بالعناد فقد سألت الطبيب: ” عفواً دكتور, هل الدواء يشفي أم يعجل في الشفاء” ؟؟ يمتعض الطبيب من السؤال ومع ذلك يجيبني ” عليك تناول الدواء إن كنت تبتغي الشفاء, لا مفر من الأمر” تغلبني رعونتي فأسأل الطبيب: ” ماذا لو اتبعت نظاماً غذائياً صارماً , هل يتكفل ذلك بالشفاء ولو بفترة أطول؟ إن كان الدواء يشفيني خلال ايام فأنا أفضل نظاماً غذائياً يتكفل بشفائي خلال أسبوع أو أسبوعين؟ ما رأيك بالفكرة؟” يتمعن الطبيب في الكلام وكأنه بين مصدق وغير مصدق ثم يقول لي: ” إن كنت تتمتع بإرادة قوية فالاستغناء عن الدواء أولى شريطة التزامك بنظام غذائي صارم . لكن أقول لك منذ الآن بأن فترة العلاج ستطول” .
لتَطُل فترة العلاج فالمثل الشعبي يقول: ” وجع ساعة ولا وجع كل ساعة”. قبلت التحدي لهذا لم أذهب الى الصيدلية بل توجهت الى “السوبرماركت” ثم الى سوق الخضار لأشتري بدل الدواء كل ما تنبته الأرض من طيبات تُستَخرَج منها خلاصات الأدوية. حين تتلمس في النظام الغذائي الصارم الشفاء شيئاً فشيئاً يتحول الأخير الى متعة.
اسبوعين وأكثر تقمصت خلالها دور المريض والطبيب والممرض أثمرت وبحمد الله شفاءً لا لشيء الا لأن المريض أخذ بأسباب الشفاء. يأتي الطبيب ليعيد المعاينة بل ليرى نتيجة ” مغامرتي” يقوم بفحصوصاته الدورية ليفاجأ بأن كل شيءٍ طبيعي فيسالني ضاحكاً: ” ما الذي تفعله في الفراش ؟ قم أيها ألكسول, أنتَ لا تعاني من شيء. صدق حقاً من قال: الغذاء لا الدواء”