.. قدوتان في الأدب وبرّ الوالدين.. من غرب الأمة ومن شرقها

نُشُرَت هذه المقالة في جريدة البيان بتاريخ ٢٦/٦/٢٠١٦
..قدوتان في الأدب وبرّ الوالدين .. من غرب الأمة ومن شرقها .
الأولى هي إبنة العلاَّمة الراحل مالك بن نبي، من أعلام الفكر الإسلامي وأحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية التجديدية،قارب منهجاً في إيجاد حلول عصرية ملائمة لبعض إختلافات المسلمين على أسس علم النفس والإجتماع. ولد الشيخ مالك مطلع القرن العشرين في مدينة قسطنطينةالجزائرية التاريخية والتي أضاءت عليها الكاتبة الجزائرية الموهوبة أحلام مستغانمي في كتابها الرائع “ذاكرة الجسد”. كان والد الشيخ مالك قاضياً شرعياً معتدلاً في حواراته، منفتحاً على الآخرين، محترماً إختلاف قومياتهم وأديانهم وأفكارهم، وهذا ما وفر لإبنه جواً إسلامياً فيه صراحة وصدق بعيداً عن الكذب والنفاق. تزوج الشيخ مالك من إمرأة فرنسية متفهمة ومثقفة أمّنت له أجواء الكتابة والتأليف في الهدوء والسكينة. عند إعلان الثورة الجزائرية، ترك الشيخ مالك وزوجته الجزائر نحو مصر صوناً لحياته من المستعمر الفرنسي الذي خطط لإغتياله لمعارضته الشديدة إستعمارهم البغيض لبلاده. في بلاد النيل وجد ترحيباً وحفاوة وتكريماً وخاصة من الزعيم العربي جمال عبدالناصر الذي احتضن الثورة الجزائرية وأيّد قادتها، وعلى رأسهم الرئيس الراحل أحمد بن بلا. “لا كرامة لنبي في وطنه” هذا المثل لا يصح في حالة الشيخ مالك، لأن بلاده كانت في ثورة إنتفاضية دموية حققت النصر والإستقلال من دماء أكثر من مليون شهيد أعطى عددهم أسماء للثورة الجزائرية. وافى الشيخ مالك ربه في اواخر عقده السابع مخلِّفاً إرثاً ثقافياً ودينياً وأدبياً قامت على حفظه وجمعه ونشره إبنته الأديبة إيمان التي رافقته في مراحل حياته الثقافية وعملت بعد وفاته، وفي وسائل إعلامية متاحة على نشر رسالته التي تحاكي الإنسانية في روح الدين الإسلامي مع نفحة فلسفية ملائمةلتطور العصر والمجتمع. لو كان في عمر الشيخ فسحة من العمر، وعاين ما يحصل اليوم وما ترتكب من جرائم بإسم الإسلام بريء منها لاستنكر وحارب كل ما يلتصق بالدين الحنيف من تهم باطلة، فهو الداعي وبالله كم الفرق كبير بين الداعي والداعش. فبأي حق يعتدي التنظيم على الناس ويقتلهم والإسلام حرم قتل المسالمين الأبرياء ولو في غزوة . أما الإسم الثاني في عنوان مقالتنا فغنيّ عن التعريف، إنها الأديبة الراقية الموهوبة فلك الرافعي إبنة الشيخ القاضي العلاّمة الدكتور مصطفى الرافعي المعروف بسعة إطلاعه وعمق ثقافته الإسلامية العربية الشاملة، خريج الأزهر والسوربون والمتصف بعمق التفكير والإجتهاد والإنفتاح بنسج علاقات إنسانية مميزة مع كافة أطياف المجتمعات اللبنانية والعربية والإسلامية على إختلاف تنوعها السياسي والديني، مما يدل على سمو أخلاقه وإيمانه أن الدين ممارسة وحسن معاملة ، وهو المؤلف الكبير لأكثر من أربعين كتاباً في مختلف المواضيع، وكما وجد الشيخ الراحل مالك ترحيباً وحفاوة في مصر، فالعلاّمة الراحل الشيخ مصطفى الرافعي وجد الإحترام والمحبة والتقدير من الشعب المصري عامة ومن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خاصة. هل كان كتابه القيم :”إسلامنا في التقريب بين المذاهب” إحساس مرهف وتحذير لما يمكن أن يحصل في المستقبل؟وللأسف الشديد قد حصل ما حصل. إن نصيحته لإبنته فلك أثمرت كتاباً جمعت فيه الأديبةالموهوبة مقالاتها القيمة في الأدب والشعر والدين وعلم الإجتماع، مما يدل على عمق ثقافتها واسلوبها العذب في التفكير والتعبير والأداء والإستمتاع بالبيان. تقول فلك في إحدى مقالاتها وعنوانها: “هناك من يفسر الأحلام الطرابلسية” مجرد كيس نايلون للنفايات يوزع على السيارات يغير وجه المدينة ويجعله نظيفاً، لأن النظافة من الإيمان فالحل عند الأدبية فيه بساطة وذكاء. في مقالة أخرى عن الحج توكيلاً لوالدتها الراحلة السيدة فدوی جمیل ملحم ، قاربت فلك أسلوب الشاعرة العراقية العظيمة الراحلة نازك الملائكة. في حياتها حققت فلك رضى والديها ليس فقط بتقبيل أياديهما بل بالإهتمام البنوي الصادق بهما وتنفيذ رغبتهما بالحج لوالدتها وبالكتابة عملاً بوصية والدها : “أكتبي يافلك “.
بنت القسطنطينة ايمان، من المغرب العربي وبنت طرابلس فلك من المشرق العربي قدوتان في الأدب وصياغة الكلام والإيمان.