الناس تخترع قائدا شرساً لتطمئن…/ بقلم الدكتور أحمد عياش/الشراع

طبيب نفسي واجتماعي

الشراع 4 حزيران 2022

الناس اعتادت ان يكون لها قائدا فللجيش وللفرقة الموسيقية وللطائفة وللحزب وللعصابة وللحكومة وللدولةوللقضاة وللاطباء ولعمال التنظيفات وحتى لسكان المبنى.
ما كان اصل تجمّع الناس في البدايات غير القطيع لتحمي بعضها البعض من قطيع آخر اكثر وحشية في التنظيم والانقضاض والعدوانية.
الناس لا تختار انضجهم فكريا وعقليا ليحكم فالفلاسفة مستشارون دائما انما الناس تأتي باكثر الناس استعدادا لسفك الدم ولاتخاذ قرارات حربية بلا ندم وبلا شعور بالذنب فمعه تشعر بالطمأنينة ان قائدها سفاح لطيف يجيد النكات والمُزاح كما يجيد غمز اعوانه بتصفية خصومه وباغتيال اعدائه.
لا تاتي الناس الا بأكثرهم قدرة على إغنائها ولو بالديون ولو بالنفاق ولو بنهب الآخرين.
الآخرين لا يعنون شيئاً غير ضحايا تجارة او ضحايا حرب.
الحرب حلال إن لم يجنح الآخر للسلم او إن لم يجنح الآخر بقبول الخسارة وبتسليم الثروات طوعاً.
إما المفاوضة على الغاز والنفط والقمح والسكر والماء وإما الحرب.
البقاء للأقوى .
الناس تعمل من اجل البقاء للأقوى او للمحتال الأكبر .

لا يناسب الناس اعقلهم كقائد فأعقل الناس أجبنهم واجبن الناس لا يصلح لا للدفاع ولا للهجوم ولا لتأمين رفاهيّتهم كيفما اتفق ولو من دم الآخرين.
نحن “الآخرون” وهم اي خصومنا  “الآخرين”.
كلنا الآخرون لبعضنا البعض فالقائد هنا مجرم هناك والقائد هناك مجرم ولعين وسارق ومغتصب وقاتل وشيطان هنا.
احد قادة لبنان اخذ جماهيره من هزيمة الى هزيمة،من دير القمر حيث هرب بثياب امراة وفي شرق صيدا حيث انسحب مع العدو الأصيل وفي زحلة حيث رفع شارة النصر مع المستسلمين هروبا الى مناطق أخرى ودخل السجن أحد عشر عاما وعاد …
عاد بطلا لجماهيره من جديد.
بدأ بنواب قليلين وانتهى بكتلة نيابية كبرى.
هكذا هي الناس،بقيت على ولائها للاقدر عدوانية في الميدان وفي ساحات الوغى عند لحظة الحسم..
رغم السير مع القائد من هزيمة الى هزيمة اعادته جماهيره قائدا لها ليس لنجاحاته العسكرية انما ايمانا منها بشخصيته العنفية بأنه قائد شرس يقاتل ليحميها .
هكذا تطمئن الناس.
في المقلب الآخر قائد يقود الناس من نصر الى انتصار آخر ومن مصادر مالية محلية الى مصادر مالية خارجية وينعم على جماهيره بمنظومة خدمات ورغم التضحيات الجسام تجده الجناهير قائداً حكيما لأنها تعلم انه قادر على اعطاء الامر بالدفاع وبالهجوم مهما كانت الخسائر…
ارسطو استاذ الاسكندر والنتيجة اكتساح العالم القديم.
الناس لا ترى في القائد غير زعيم يحميها ويؤمن لها احتياجاتها .
في الحالتين لم تتخل الناس عن القائد الذي يستطيع اخذ قرار القتال والدفاع والهجوم ولو عبر هزيمة او عبر انتصار.
يناسب الناس عقل الفروسية وعقل الطاهي في المطبخ وعقل التاجر في السوق.
لا تراهن ولا تصدّق ولا تتبع اهواء الناس فالناس تتبع من يحميها ومن يطعمها دون ان تهتم بمن هو على حق وبمن هو على باطل.
كلنا على باطل نسبياً .
وحدهم الرعاع البسطاء والرعاع المتعلمون الاتباع يسيطرون ويقررون.
الذين ما زالوا يراهنون على الحق وعلى العدالة وعلى القانون سيموتون من الجوع او دعساً تحت اقدام الجماهير.
اتعلمين يا زينب ما هي الكلمات التي تسبب التقزز لي:
الجماهير،
الشعب،
الناس،
المؤمنون،الكفار،
الحق،العدالة،
الشرفاء،
الثوار،
الاحرار،
الاعداء،المجرمون،المنافقون،الانذال.
صديقيني يا زينب فنحن نتكلم عن ذات الناس لا عن غيرهم.
من نحن؟
نحن الآخرون للآخرين.
#د_احمد_عياش.

مجلة الشراع