*كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :* *إجتناب العيوب … في إستنزاف الجنوب …*

*كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :*

*إجتناب العيوب … في إستنزاف الجنوب …

*ليست فلسطين وحدها ، هي الهدف النهائي للمشروع الصهيوني الكبير ، الذي يهدف إلى إقامة : (دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل) ، وحتى الأراضي التي تقع بين الفرات والنيل ، ليست هي النهاية لهذا المشروع ، الذي خُطِّط له منذ ما قبل المؤتمر اليهودي العالمي ، الذي عُقِد في مدينة بازل بسويسرا سنة /١٨٩٧/ حيث تمَّ الإتفاق فيه على تحديد وجهتهم ، لإقامة دولتهم على أرض فلسطين ، والتوسُّع بها في المنطقة ، لتكون لها السَّيطرةُ على العالم كلَّه ، بعد أن تستولي على مقدِّرات وإنتاج ، ما تختزنه في باطن الأرض وعلى سطحها ، وما تحوِيه من أماكن إستراتيجيّةٍ بحريَّةٍ وبريَّةٍ وجوِّيَّةٍ ، حتى تتحقَّق غايتها وينفذ مخطَّطها بالهيمنة ، ويطبَّق مشروعها بأيِّ وسيلةٍ كانت …*
لذا فإنَّ هذا المشروع الصُّهيوني يأخُذ أشكالاً متعدِّدةً بالسَّيطرة المباشِرة وغير المباشِرة ، أي ربما تكون بالأمور العسكرية والحربية والأمنية ، وربما بالشؤون السياسية والديبلوماسيَّة ، أو بالسلميَّة والإتفاقيَّات والمعاهدات الدوليَّة ، التي تستند على العقود الجماعيَّة والفرديَّة ، أو بالعمل على السيطرة الكاملة على الدول والحكومات الدولية والإقليمية والمحلية ، من خلال قادةٍ وأحزابٍ وعشائر ، تُدين للصهيونية بالولاء والعمل ، وتشارك بهذا المخطَّط الكبير ، من خلال المناصب ومراكز القرار ، التي تساهم الصهيونية بوصولهم وتربعهم عليها ، والإمساك بزمام الأمور بصورة غير مباشرة ، أو تحت غير مسمَّياتٍ يهودية أو صهيونية ، وهذا ما يُتداول به عبر الدول العالميَّة والإقليميَّة والعربيّة ….
*إنَّ ما حدث من إتفاقيَّات عالمِيَّة وعربِيَّة ، تحت إسم السلام العالمي ، أو السلام مقابل الأرض ، أو إتفاقيات الهدنة ، والترسيم البحري ، وما يجرُّ من ترسيمٍ بَرِّيٍ وخطوطٍ للمعابر ، وكل ذلك يندرِج تحت إسم الإعتراف بهذا الكيان ، وإعطائه الحقوق بالثبات على الإحتلال ، وبالتركيزِ على أحقيَّة الوجود ، الذي نتج عن إغتصاب الأرض والعرض ، وتشريد شعوبٍ مستقرَّةٍ ومطمئنَّةٍ في أراضيها ، التي ورثتها أبَّاً عن جدّ ، وأقامت بها عبر التاريخ ، الذي يشهد عالياً ، من هم أصحاب الحقِّ بتقرير مصيرها …*
معاناةٌ وأزماتٌ لم يشهدها التاريخ بطول الحرب ، والأحداث المتنقلة هنا وهناك ، لأجل إقامة هذا الكيان المغتصب ، الذي جاء مع طبول الحرب منذ أكثر من مائة سنة ، وإستمَرَّ مع التقتيل والتدمير والتشريد لأبناء الأرض ولإبادتهم ، والقيام بإستبدالهم بالمستوطنين الحاقدين ، والمرتزقة الفاسدين ، والمستخدمين المارقين ، حيث يجعلونهم مطيَّةً للوصول إلى غايتهم ، في إقامة دولتهم تحت غطاءٍ دينيٍّ وتلموديٍ ، يعيشون في أوهامه ويستميتون لتحقيق تلفيقاتهم وأكاذيبهم المغلَّفةِ بأقنعة السلام وحقوق الإنسان ، وأكثر من ذلك ، بأنَّهم هُم بناة ودعاة الحرِّيَّة والإخاء والمساواة …
*إستمَرَّ هذا الكيان بسياسَةِ الصيف والشتاء على سطحٍ واحدٍ ، أو سياسة (رِجلٍ بالفلاحة ، ورِجلٍ بالبور ) ، وهي التي تجسَّدَت بقاعدة : (الخطوة خطوة )، أو القضم الممنهج حسب المخطط المرسوم ، أو بناءً على الظروف والعوامل المرافقة للحروب والهدنات والإتفاقات والمعاهدات ، وجميعها تدلُّ على الخيانات والخِداع ، الذي يقع به العملاء أو الهُبَلاء المفاوضين على السلام ، وهم لا يحصُدون إلا الحروب والقتل والتدمير أو القضم ، دون التطلُّع أو الإعتبار بأن اليهود : أشدُّ الناس عداوَةً للذين آمنوا بهذه الأمة ورسالتها ، ولم يتَّعظوا حتى من 🙁 لا يُلدَغ المؤمن من جُحرٍ مَرَّتين) ، وليس مئتين ….*
هكذا سُلبَت فلسطين من أهلها ، عبر الإحتلال الإنكليزي والخيانات العربية ، ومسانَدَة الصهيونيَّة العالمِيَّة ومنظماتها الدوليَّة والسرّيَّة ، وهكذا توالت الإنهزامات والنكسات عبر المعاهدات والإتفاقيات العربية ، حتى وصل الأمر بالأمة وأنظمتها ، لتستكين عبر صفقة القرن ، وتخضع للتطبيع الكامل مع الكيان ، لترى معها الشركات اليهودية الكبرى ، تغزو الأسواق بمنتجاتها وبأنشطتها وبحركاتها ، التي تدمِّر الإقتصاد العربي لصالح الكيان الصهيوني ، حيث يستمرُّ بنفس الوقت ، في عدوانه على فلسطين ولبنان ، وسوريا واليمن والعراق ، وعلى كلِّ بلدٍ أو شعبٍ أعلن مقاومته لهذا الكيان وإحتلاله ، كما تشهد عليه جبهات غزّة والضفة وجنوب لبنان ….
*إن غزَّة من بعد عملية طوفان الأقصى ، قد لقَّنت العدو المحتلّ ، دروساً لم يشهد مَثِيلها طوال مدة إحتلاله لفلسطين والأراضي العربية ، حيث كان يعتمد على الخيانات والعملاء بتمرير حروبه وتوسعه وإحتلاله ، أما اليوم ، ورغم مجازره المتفاقِمَة والإبادة الجماعيَّة وإستخدام الحرب بالأرض المحروقة ، فإن الهزائم ترافقه يومياً ، مادياً ومعنوياً ، وتقُضُّ مضاجع حكومته وقيادته ، بالإنهزام الكبير والفاضح ، على الوهم الذي أعطاهم الإستعلاء الكاذب ، بأنهم الجيش الذي لا يقهر ، والذي بات يلهث وراء الموافقة على شروط المقاومين المنبعثة من تحت الأرض ، ويخضعون قسراً لأوامرهم ، التي تحقِّق النصر المؤزَّر ، بكلِّ ثقةٍ وفخرٍ للشهداء والمنكوبين والمشردين ….*
كما يجري في غَزَّة والضفَّة من عملياتٍ بطولية ، قد أوقعت حكومة الكيان وجيشه في الهاوية وبئس المصير ، فإنَّ الجنوب اللبناني ، إذا ما سلك درب المقاوميين هناك ، بالتضحية والإعداد ، والثقة والإخلاص للقضية ، التي تحمي الوجود ، وتدافع عن الحدود ، وتصدُّ جَحافل اليهود ، من دنسِ الجنود ، كما أصحاب الأخدود …
*فإن ملامح النصر قد تشرِق على الأمَّة ككل ، وتكِرُّ السبحة التي كانت تربط الأنظمة والشعوب عبرها ، بالهزيمة النفسيَّة التي طالت مع الزمن الرديء والسنين العجاف ، والتي أضفَت غباشة الإنهزام ، على عيون الخانعين والساكتين عن الحَقِّ المعلوم ، لأبناء هذه الأرض المقدَّسة ، حيث أنهم لن يُلدَغوا مرَّةً أخرى ، بل لهم في أبناء غزَّة والضفَّة ، العبرة الصَّارخة لإزالة هذا الوهم ، وإعلان إنتهاء الحرب النفسيَّة المفروضة على الشعوب ، وإجتناب كُلَّ العيُوب ، لئلا نتدحرج مجدداً في إستنزافِ حربِ الجنُوب ….*